
متابعات محلية | بقش
في خطوة اعتُبرت تقدماً نوعياً في مسار حماية التراث اليمني المنهوب، تم تسجيل عشر قطع من آثارها التاريخية في قاعدة بيانات الإنتربول للأعمال الفنية المسروقة، وذلك بعد فقدان آلاف القطع الأثرية من المتاحف والمواقع المنتشرة في عموم البلاد.
تأتي هذه الخطوة بعد سبعة عشر عاماً من آخر تسجيل لقطعة أثرية يمنية في قاعدة بيانات الإنتربول، والمقصود هنا تمثال المرأة البرونزية الجاثية على ركبتيها المعروف إعلامياً بـ”تمثال الراقصة”، الذي يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ومسجّل لدى الهيئة برقم (619)، وفقاً لاطلاع مرصد “بقش” على منشور لباحث الآثار اليمنية عبدالله محسن.
ومنذ أكثر من ثلاثة عقود على حادثة سرقة متحف عدن، لم تتخذ السلطات اليمنية أي إجراءات رسمية لتسجيل المسروقات أو نشر بيانات عنها للجمارك أو المنظمات الدولية، وفقاً لمحسن الذي وصف الأمر بـ”المعيب”، وبأنه مؤشر على تجاهل رسمي مستمر لقضية تهريب التراث اليمني، رغم تزايد عمليات النهب خلال فترات الاضطراب السياسي والحرب.
وقال محسن إن تسجيل القطع الجديدة جاء بتضافر جهود وطنية ودبلوماسية وقانونية، واعتبر هذا التطور يمهد لإدراج تلك القطع في متحف اليونسكو الافتراضي، الذي يعرض صوراً ثلاثية الأبعاد لعدد من القطع المسروقة عالمياً، والممول من الحكومة السعودية بتكلفة 2.5 مليون دولار.
وما تحقق ليس إلا خطوة أولى ينبغي البناء عليها، وفقاً لباحث الآثار الذي دعا إلى تسجيل كافة القطع المفقودة من متاحف عدن وزنجبار وعتق وسيئون وظفار وغيرها من المتاحف والمواقع الأثرية اليمنية.
القطع المسجلة وكارثة التهريب
تضمّن البلاغ المقدم إلى الإنتربول مواصفات دقيقة لعشر قطع أثرية متنوعة بين تماثيل حجرية وقطع رخامية وذهبية، منها تمثال من الحجر الجيري لإنسان واقف، ملامحه واضحة، يقف على قاعدة مستطيلة، تظهر عليه آثار تآكل وتقشر في الوجه والرقبة ومؤخرة الرأس.
كما تضمَّنت القطع قطعة من الرخام تمثل لوحة جانبية لحصان في وضع القفز، وجزء من مذبح حجري عليه وجه ثور بعينين بارزتين وقرن مكسور، يُعتقد أنه يعود لمعبد قديم، ورأس إنسان من الحجر الجيري بلحية مزين بعصابة رأس منقوشة، ينتمي لأثر جنائزي، وخمساً وعشرين قطعة ذهبية صغيرة على شكل دبوس، سُرقت من مخزن متحف عدن الوطني عام 2010، وإحدى وعشرين قطعة ذهبية دائرية مزخرفة، مصنوعة بتقنية النقش البارز، تعود للعصر الهلنستي، استُخدمت لتزيين الملابس أو الشعر.
وتُعد سرقة وتهريب الآثار اليمنية واحدة من أخطر الظواهر التي تصاعدت منذ تسعينيات القرن الماضي، وتفاقمت مع اندلاع الحرب في 2015، حيث تعرضت مواقع أثرية عدة للنهب، أبرزها متحف عدن الوطني ومتحف زنجبار ومتحف شبوة ومتحف سيئون، فضلاً عن آلاف القطع التي خرجت عبر منافذ غير شرعية إلى الأسواق العالمية، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة.
وتُظهر التقارير الدولية التي يتتبَّعها مرصد “بقش” أن عدداً كبيراً من القطع اليمنية بيعت في مزادات عالمية كـ”سوثبيز” و”كريستيز” دون وجود وثائق ملكية، وهو ما دفع منظمات مثل اليونسكو والإنتربول والمجلس الدولي للمتاحف (ICOM) إلى إدراج اليمن ضمن قائمة الدول ذات التراث المهدد بالضياع.
ويمثل إدراج عشر قطع يمنية في قاعدة بيانات الإنتربول انطلاقة جديدة نحو استعادة ما يمكن استعادته من التراث المنهوب، لكنه أيضاً يسلط الضوء على حجم الكارثة الثقافية التي تعيشها البلاد منذ عقود.
فرغم رمزية هذه الخطوة، فإن من اللازم وفقاً للخبراء إتباعها بحملة وطنية شاملة تشمل توثيق كل المفقودات رقمياً، وتفعيل القوانين الوطنية لحماية الآثار، وتدريب الكوادر على التعاون الدولي في قضايا التهريب.