بينما تعاني من عزلة اقتصادية عالمية.. إسرائيل تقترب من إعصار اقتصادي بسبب احتلال غزة

تقارير | بقش
حذر 80 خبيراً اقتصادياً في إسرائيل من أن احتلال قطاع غزة سيجر إسرائيل إلى أزمة اقتصادية عميقة، ويؤدي إلى تباطؤ النمو، وزيادة الضرائب، وإلحاق الضرر بالتصنيف الائتماني، وفرض عقوبات دولية، كما سيؤدي إلى الهجرة من إسرائيل وإلحاق الضرر بالقدرة على تحمل الأعباء.
يؤكد هؤلاء الخبراء، الذين من بينهم مسؤولون سابقون في وزارة المالية وبنك إسرائيل المركزي والأوساط الأكاديمية، أن العواقب الاقتصادية لاحتلال غزة وخيمة، حيث ستُدخل هذه الخطوة إسرائيل في أزمة اقتصادية خانقة، وتُضعف قدرتها المالية، وتُؤدي إلى زيادات ضريبية وتخفيضات في الخدمات الاجتماعية، وتُعرّض التصنيف الائتماني للخطر.
وتشهد إسرائيل اتساعاً غير مسبوق في دائرة العزلة الدولية، من المستوى الدبلوماسي إلى الاقتصاد والمجتمع، ومن المتوقع أن تعلن عدة دول غربية في الأمم المتحدة خلال أيام اعترافها الرسمي بدولة فلسطينية، في خطوة قد تفتح الباب أمام موجة من الإجراءات الدبلوماسية والسياسية ضد تل أبيب.
تدهور خطير.. وخروج من نادي “الدول المتقدمة”
ووفق اطلاع بقش على ما ورد في الوثيقة الموقَّع عليها من الاقتصاديين الإسرائيليين، فإنّ احتلال غزة سيجرّ الاقتصاد الإسرائيلي إلى تدهور خطير. ولا يعبر ذلك عن تهديد اقتصادي فحسب، بل هو تهديد مباشر للأمن القومي الإسرائيلي، إذ إن اقتصاداً ضعيفاً لن يكون قادراً على تحمّل تكلفة الحملة العسكرية على المدى الطويل.
تشمل العواقب الاقتصادية، حسب الوثيقة، تسارع “هجرة الأدمغة” والانحدار الحاد في الإنتاجية والإنتاج، واستمرار ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي وخطر حقيقي لحدوث أزمة ديون.
إضافةً إلى تكلفة مالية مباشرة تقدر بعشرات المليارات من الشواكل بسبب تجنيد الاحتياط والتسليح والمعدات، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الضرائب. كما أن هناك خطراً حقيقياً يتمثل في تحفيز هجرة رأس المال البشري عالي الجودة من إسرائيل، وهو ما من شأنه أن يتسبب في انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي ومستويات المعيشة.
وثمة تهديد من إنفاق قرابة 60 مليار شيكل (17.9 مليار دولار) على الإدارة العسكرية والبنية التحتية والخدمات الإنسانية لسكان غزة. ويضاف ذلك إلى احتمال فرض عقوبات اقتصادية من قبل الدول الأوروبية والشركاء التجاريين الرئيسيين، التي تزيد من عزلة اقتصاد إسرائيل المعزول بالأساس في الوقت الحالي.
وستؤدي الخطوة المتهورة إلى خفض التصنيف الائتماني المنخفض أصلاً للاقتصاد الإسرائيلي، وزيادة أسعار الفائدة، وتراجع الاستثمارات، وهو سيناريو من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على سوق العمل والتعليم والصحة ورفاهية المواطنين في إسرائيل.
ويرى الاقتصاديون أن هذا ليس تهديداً أخلاقياً ودولياً فقط، بل هو خطوة قد تؤدي في النتيجة إلى “إخراج إسرائيل من مجموعة الدول المتقدمة”.
معاناة رجال الأعمال ومقاطعة اقتصادية كبيرة
يعاني رجال الأعمال الإسرائيليون من صعوبات في إبرام صفقات تجارية. وفقاً لرئيس اتحاد الصناعيين، يتم رفض التعامل مع المستوردين والمصدرين الإسرائيليين، بينما يحذر خبراء القانون الدولي من أن هذه التطورات ليست سوى بداية لموجة مقاطعة أوسع.
وثمة مؤشرات خطيرة في الاقتصاد الزراعي الإسرائيلي، الذي ركد لسنوات طويلة، وتشير تقديرات تتبَّعها بقش إلى أن أسعار المنتجات الزراعية الإسرائيلية كانت أعلى بنسبة 25% من الأسعار العالمية عام 2021، وهو فارق قد يتصاعد مع ازدياد العزلة الدولية وتراجع القدرة على التصدير والاستيراد.
ويحذر الاقتصاديون من أن الفجوة بين ركود الإنتاج والنمو السكاني السريع، إضافة إلى تأثير المقاطعة التجارية والاقتصادية المتدرجة، قد تفضي إلى أزمة غذائية داخلية حتمية في إسرائيل، تتجاوز السلاح والقطاع العسكري لتضرب أساسيات الحياة اليومية للمواطن الإسرائيلي.
وتنقل صحيفة يديعوت أحرونوت عن رئيس اتحاد أرباب الصناعة في إسرائيل، رون تومر، تأكيده على أن الوضع ليس على ما يرام اليوم، خصوصاً بالنسبة للشركات ولرجال الأعمال الذين يتعاملون مع أوروبا، مشدداً على أن حالات رفض التعامل مع المستوردين والمصدرين الإسرائيليين تصاعدت مؤخراً، واستشهد بشركة إسرائيلية كبيرة استوردت مكونات من فرنسا، التي أبلغت الشركة بتوقف التعامل معها بسبب سياسة تحظر التعامل مع دول تنتهك حقوق الإنسان.
وحسب اطلاع بقش على صحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية، فإن العزلة الدولية لإسرائيل تؤثر تأثيراً مباشراً على التجارة والأسعار، إذ هي أشبه بـ”الحصار الصامت”، وينعكس هذا الحصار في “تأجيل عقود تجارية”، أو “إلغاء زيارات”، أو “عدم اعتماد خطوط ائتمان”، ولكل ذلك نتائج ملموسة في الأسواق والشركات.
ثمن باهظ تدفعه إسرائيل مع أوروبا
هذه التحذيرات تأتي بالتزامن مع مخاوف جسيمة من العزلة الاقتصادية لإسرائيل عن العالم، وقد أقر بها نتنياهو في تصريحات غير مسبوقة قالها لأول مرة، إذ أكد على أن اقتصاد إسرائيل يعاني من عزلة، وأن على الإسرائيليين التأقلم والتعامل مع هذا “الاقتصاد المغلق”، وهو ما جعل الإسرائيليين يشنون هجوماً عليه، وعلى رأسهم زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد الذي قال: “هذا تصريح جنوني، العزلة ليست قراراً مصيرياً، بل هي نتيجة سياسة خاطئة وفاشلة لنتنياهو وحكومته”.
وتزداد المخاوف مع توتر العلاقات بين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي، مع تلويح بروكسل بفرض عقوبات جديدة قد تشمل تجميد جزء من اتفاقية الشراكة الموقّعة عام 2000، وهو إجراء قد يكلف تل أبيب ثمناً باهظاً وفقاً لعدد من الصحف الأوروبية مثل صحيفة لو فيغارو الفرنسية، حسب متابعة بقش.
وقدمت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، مقترحاً في العاشر من سبتمبر الجاري، أمام البرلمان الأوروبي، شمل فرض عقوبات على الوزراء المتطرفين والمستوطنين “العنيفين” الإسرائيليين، إضافة إلى تعليق جزئي لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
وبلغت قيمة التجارة المتبادلة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي في 2024 نحو 42.6 مليار يورو، وهو رقم يفوق بكثير تجارة إسرائيل مع الولايات المتحدة التي بلغت 31.6 مليار يورو وفق البيانات التي جمعها بقش، لذا فإن الاتحاد الأوروبي يُعد الشريك التجاري الأول لإسرائيل بفارق كبير، في حين تحتل إسرائيل المرتبة 31 فقط بين شركاء الاتحاد الأوروبي.
ومع استمرار الإبادة في قطاع غزة، فإن الإجراءات الأوروبية والمقاطعة الشعبية الدولية لكل ما هو إسرائيلي، إضافةً إلى المساعي الإسرائيلية لاحتلال غزة، قد يترتب عليها تكاليف اقتصادية فادحة على مختلف القطاعات الإسرائيلية الرئيسية، وهو ما يجعل الخطر حقيقياً..