الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

تدويل الروبية.. الهند توفر تسهيلات باتجاه الاستقلال النقدي عن الدولار

الاقتصاد العالمي | بقش

تشير أحدث المعلومات إلى أن الهند تتخذ خطوات متسارعة نحو تدويل عملتها المحلية الروبية، في مسعى استراتيجي يهدف إلى تقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي في تسوية المعاملات التجارية، وتعزيز مكانتها الاقتصادية العالمية، تمهيداً لتحقيق هدفها الطموح بأن تصبح دولة متقدمة بحلول عام 2047.

ويقود هذا التحرك البنك المركزي الهندي، ضمن خطة حكومية شاملة لزيادة استخدام الروبية في اتفاقيات التجارة الحرة، وإيجاد نظام تسوية مباشر بين الروبية وعدد من العملات الإقليمية والدولية، دون الحاجة إلى الدولار كوسيط.

ووفق اطلاع “بقش” على تقرير لوكالة “بلومبيرغ”، بدأ البنك المركزي الهندي بالفعل بإدراج أسعار صرف مرجعية مباشرة للروبية مقابل عملات مثل الدرهم الإماراتي والروبية الإندونيسية، إضافةً إلى العملات الكبرى كالدولار والين واليورو والجنيه الإسترليني، وتعتزم الهند توسيع هذه القائمة لتشمل عملات دول الجوار وموريشيوس.

ويُعد هذا الإجراء محاولة لإعادة رسم خريطة النفوذ النقدي في آسيا، وتحرير التجارة الهندية من القيود المفروضة بفعل هيمنة العملة الأمريكية على النظام المالي الدولي.

في المقابل، تتفاوض نيودلهي على اتفاقيات تجارة حرة مع أكثر من اثنتي عشرة دولة وتكتل اقتصادي، بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والإمارات وأستراليا وسلطنة عمان، وتحرص في مفاوضاتها على تضمين بند يسمح باستخدام الروبية في تسوية المعاملات التجارية.

وتفتح هذه الخطوة المجال أمام تحول تدريجي نحو نظام تجاري متعدد العملات، يحد من تقلبات الدولار وتأثيراته على الاقتصاد المحلي.

التحدي الأمريكي وحساسية الموقف

يُعتبر هذا المسار صعباً ويجعل الهند تواجه معادلة دقيقة بين تعزيز مكانة عملتها من جهة، وتجنب استفزاز الولايات المتحدة من جهة أخرى.

فبينما تصر نيودلهي على أن مساعيها ليست “جهوداً للتخلي عن الدولار”، وجّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقادات متكررة لدول مجموعة بريكس، متهماً إياها بالسعي إلى تقويض هيمنة الدولار عبر مشروع عملة بريكست المشتركة.

وتحاول الهند أن تنأى بنفسها عن هذا التصور، قائلة إن ما تسعى إليه هو تنويع أدواتها المالية وليس إعلان مواجهة مع الدولار.

وحسب بلومبيرغ، تقول غاورا سن غوبتا، كبيرة المحللين الاقتصاديين في بنك IDFC FIRST، إن السلطات الهندية تركز على زيادة قابلية استخدام الروبية في التجارة الإقليمية وليس على استبدال الدولار، مضيفةً وفق اطلاع بقش أن التدويل يهدف إلى تيسير حركة رأس المال بين الدول المجاورة وتحقيق تكامل في أنظمة الدفع.

أهداف قصيرة الأجل وطموحات طويلة المدى

حسب تقرير البنك المركزي الهندي لعام 2023، الذي راجعه بقش، حول تدويل الروبية، وضعت نيودلهي أهدافاً قصيرة الأجل تتمثل في زيادة اتفاقيات مبادلة العملة الثنائية، وتوسيع اتفاقيات التجارة بالروبية، واستخدام اتحاد المقاصة الآسيوي لتسوية المعاملات الإقليمية.

لكن يبدو الطريق طويلاً بسبب أن الروبية لا تظهر حتى ضمن أكبر 20 عملة في منظومة الدفع البنكية العالمية “سويفت”، بينما يهيمن الدولار على نحو 47% من المعاملات الدولية، وتتواجد عملات ناشئة أخرى كالبات التايلندي والرينغيت الماليزي قبل الروبية في الترتيب.

وتحمل خطوة تدويل الروبية دلالات منها التحول في عقلية السياسة الاقتصادية الهندية من التبعية إلى الاستقلالية، وتعبّر عن إدراك نيودلهي لمخاطر النظام المالي الدولي الذي يترك الاقتصادات الناشئة عرضة لتقلبات سعر الدولار وتغيرات السياسة النقدية الأمريكية.

ومن نتائج هذه الخطوة يُحتمل خفض التكاليف والمخاطر التجارية على الشركات الهندية عبر تفادي فروق التحويل إلى الدولار، وتعزيز استقرار الاقتصاد الهندي وتقليل الحاجة إلى احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية، وزيادة النفوذ المالي الإقليمي للهند، خاصة في جنوب آسيا والخليج.

وهناك احتمالية لتراجع التأثير الأمريكي على النظام التجاري الآسيوي في المدى الطويل، إذا ما تبعت الصين ودول أخرى المسار ذاته، لكن في المقابل حسب قراءة بقش، يبقى تدويل الروبية تحدياً صعباً ما لم يتحقق توافق سياسي واقتصادي واسع، ويقبل بها شركاء الهند الرئيسيون في التسويات التجارية.

فضعف أداء الروبية مؤخراً وخروج رؤوس الأموال الأجنبية من السوق الهندية، يعبّران عن هشاشة قد تعرقل هذا المشروع إذا لم تُعالج جذوره، لكن التحليلات تشير إلى أنه في حال نجاح الهند في تحقيق قدر من الاستقلال النقدي دون إثارة مواجهة مع الغرب، فإنها قد ترسم ملامح نموذج جديد للدول الصاعدة، وهو نموذج التوازن بين الانفتاح المالي والسيادة النقدية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش