منوعات
أخر الأخبار

ترامب يعفو عن مؤسس بينانس ثم يقول: “لا أعرفه”.. تناقض سياسي أم رسالة للأسواق الرقمية؟

منوعات | بقش

بينما تتحرك الولايات المتحدة لإعادة تموضعها في عالم العملات الرقمية، فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً جديداً بتصريح قال فيه إنه لا يعرف مؤسس منصة بينانس، تشانغبينغ تشاو، رغم منحه عفواً رئاسياً الشهر الماضي.

تصريح أثار أسئلة حول دوافع القرار وخلفياته، في لحظة تشهد فيها الأسواق الرقمية تحولات عميقة ومحاولات دولية للهيمنة على اقتصاد ما بعد الدولار التقليدي.

ورغم أن قضية تشاو بدت في ظاهرها محاكمة مالية مرتبطة بمكافحة غسل الأموال، إلا أن التطورات المتلاحقة وتزامنها مع تحركات عائلة ترامب في قطاع العملات الرقمية، جعلت الملف يتجاوز الجانب القضائي ليأخذ أبعاداً سياسية واستراتيجية واسعة.

فقد أدى إعلان العفو، وهو أحد أبرز قرارات ترامب المالية منذ عودته إلى البيت الأبيض، إلى توسيع الجدل حول علاقة السلطة السياسية الأمريكية بصناعة العملات الرقمية المتنامية.

وتتزامن هذه الأحداث مع دخول الشركات الأمريكية سباقاً عالمياً مع الصين واليابان وسنغافورة والإمارات لتعزيز المواقع في عالم البلوك تشين وفق متابعة مرصد “بقش”، حيث يشكل أي قرار يتعلق بالمنصات الكبرى مثل بينانس إشارة مهمة للأسواق، سواء من ناحية السياسة التنظيمية أو معايير المنافسة الدولية.

هذا التداخل بين الاقتصاد والسياسة والابتكار الرقمي يعكس ديناميكية لحظة مفصلية في الاقتصاد العالمي، حيث تتحول العملات الرقمية من أسواق مضاربة هامشية إلى أوراق قوة استراتيجية، تستخدمها الدول لإعادة تشكيل النظام المالي الدولي.

عفو رئاسي يثير الأسئلة

قرار ترامب منح العفو لتشاو جاء بعد عامين من معركة قضائية انتهت بحكم بالسجن أربعة أشهر لمؤسس بينانس. ورغم الإفراج عنه عام 2024، بقيت آثار القضية حاضرة في الأسواق والمشهد السياسي الأمريكي. لكن ما جعل القرار أكثر إثارة هو تصريح ترامب لاحقاً بأنه “لا يعرف الرجل”.

تصريحات ترامب جاءت خلال مقابلة مع قناة CBS الأمريكية التي تابعها بقش، حين قال إنه لا يعرف تشاو ولم يلتقِ به، وإن قرار العفو جاء بدافع دعم الابتكار والعملات الرقمية في الولايات المتحدة. التبرير بدا مبهماً للكثيرين، خصوصاً مع الاتهامات السابقة التي طالت إدارة بايدن بشن حملة منظمة ضد شركات الكريبتو.

ورغم محاولات ترامب تقديم الأمر كجزء من استراتيجية اقتصادية، إلا أن نبرة كلامه بدت دفاعية، وكأن القرار اتخذ تحت تأثير ضغط سياسي أو اقتصادي من أطراف قريبة منه، وليس بناء على دراسة رسمية للملف الجنائي فقط.

هذه النقطة بالذات دفعت مراقبين للتساؤل: هل العفو كان خطوة اقتصادية محسوبة أم جزءاً من شبكة علاقات مالية وسياسية أكبر؟

عائلة ترامب والكريبتو.. دائرة الاتهام تتسع

بالتزامن مع هذا الجدل، كشفت تقارير أمريكية عن ارتباطات مالية بين منصة “World Liberty Financial” المرتبطة بنجل مسؤول سابق في إدارة ترامب، وبين منصة بينانس، مع خطط لاستثمار ملياري دولار من جهة إماراتية في بينانس عبر عملة مستقرة مرتبطة بالمجموعة.

هذا التقاطع بين شركات قريبة من عائلة ترامب ومنصة بينانس (التي واجهت أكبر غرامة في التاريخ الأمريكي على خلفية قضايا غسل أموال) فتح الباب أمام اتهامات بمقايضة مالية محتملة مقابل النفوذ السياسي. وعلى الرغم من نفي ترامب لأي علاقة أو معرفة، فإن توقيت القرارات والتصريحات أثار الكثير من علامات الاستفهام.

السياسيون الديمقراطيون التقطوا هذه الزاوية سريعاً، وبدأت لجان رقابية في التحقيق فيما إذا كانت هناك فوائد مباشرة أو غير مباشرة حصلت عليها شركات مرتبطة بعائلة ترامب من قرار العفو. وبحسب تصريحات لمسؤولين في الكونغرس، فإن الملفات مفتوحة وقد تتوسع خلال الأشهر المقبلة.

بينانس: من أزمة تنظيمية إلى مركز نفوذ عالمي

قصة بينانس نفسها تستحق الوقوف عندها. فالمنصة لم تكن مجرد شركة ناشئة في عالم العملات الرقمية، بل تحولت في أقل من خمس سنوات إلى النظام المالي الموازي الأكبر في العالم خارج سيطرة البنوك التقليدية. هذا الصعود السريع جعلها هدفاً للمنظمين الأمريكيين.

وفي عام 2023، وافقت بينانس على دفع 4.3 مليار دولار للحكومة الأمريكية في أكبر تسوية مالية في تاريخ قطاع الكريبتو، وسط اتهامات باستخدام منصتها لعمليات تمويل غير قانونية حول العالم. ولكن رغم الغرامة، بقيت بينانس لاعباً مركزياً قائماً في التوازنات المالية الدولية.

ويبدو أن واشنطن، بعد سنوات من المواجهة، بدأت تعيد النظر في طريقة تعاملها مع منصات العملات الرقمية. فبدلاً من محاولة إغلاقها والسيطرة عليها بالكامل، تتجه نحو استيعابها وإدخالها في النظام المالي المنظم، لمنع انتقال القيادة المالية الرقمية إلى دول منافسة مثل الصين.

صراع على قيادة النظام المالي الجديد

قضية تشاو ليست قصة رجل أعمال حصل على عفو رئاسي فحسب؛ إنها مرآة لمرحلة جديدة يعاد فيها رسم خريطة القوة المالية العالمية. الولايات المتحدة تدرك اليوم أن مستقبل المال لن يُحسم داخل بورصة نيويورك فقط، بل على سلاسل الكتل الرقمية التي تعيد بناء مفهوم الثقة والملكية والقيمة.

وفي هذا السياق، يبدو أن ترامب يستخدم ملف الكريبتو كأداة سياسية واقتصادية في آن واحد: من جهة يرسل رسائل للأسواق بأن واشنطن ستدافع عن الابتكار المحلي، ومن جهة أخرى يقترب من الشركات التي يمكن أن تمول حملات وتأثير سياسي في المستقبل. وبين هذين المسارين، تتوسع الشبهات وتتداخل المصالح وتتشابك الحسابات.

ومع دخول الصين واليابان والإمارات والهند في سباق العملات الرقمية، تدرك الولايات المتحدة أن التردد لم يعد خياراً. من الآن فصاعداً، ستكون المعارك حول الكريبتو جزءاً من السياسة الخارجية والاقتصاد القومي والأمن السيبراني. والعفو عن تشاو، مهما حاول البعض التقليل من أهميته، هو إشارة واضحة إلى أن أمريكا قررت خوض هذه المعركة من موقع القيادة وليس الهجوم الدفاعي.

في النهاية، قد يقول ترامب إنه لا يعرف تشاو، لكن العالم الاقتصادي يعرف جيداً أن القرار أبعد ما يكون عن الصدفة.

نحن أمام فصل جديد في حرب اقتصادية عالمية يتغير فيها شكل النفوذ، وقد يكون اللاعبون الجدد ليسوا حكومات فقط، بل منصات وشبكات رقمية تبني اقتصاداً موازياً يهدد أسس النظام المالي التقليدي.

زر الذهاب إلى الأعلى