
تقارير | بقش
أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً جديداً يقضي بخفض الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من السلع الغذائية الأساسية، تشمل لحوم الأبقار والطماطم والبن والموز، إلى جانب مئات المنتجات الأخرى مثل جوز الهند والمكسرات والأفوكادو والأناناس.
ويهدف القرار، الذي طُبّق بأثر رجعي منذ 13 نوفمبر، إلى تقليل تكاليف البقالة في ظل تزايد الضغوط الشعبية وتنامي القلق من ارتفاع الأسعار وفق اطلاع بقش على تقرير لوكالة بلومبيرغ.
وتأتي خطوة تخفيض الرسوم الجمركية في وقت تواجه فيه إدارة ترامب انتقادات واسعة بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة، إذ تبدو أسعار السلع الغذائية خصوصاً في مركز الجدل، فقد أشار البيت الأبيض إلى أن العديد من السلع المشمولة بالقرار لا تُنتج محلياً بكميات كافية لتلبية الطلب، ما يجعل استيرادها ضرورة اقتصادية وليست خياراً.
ومع اقتراب الانتخابات، يدرك فريق ترامب أن القدرة الشرائية أصبحت أحد أهم محددات المزاج الانتخابي، ما دفع الإدارة لاتخاذ تدابير تُظهر استجابة مباشرة لمخاوف المواطنين من تضخم أسعار المواد الغذائية.
اعتراف ضمني: الرسوم الجمركية السابقة ساهمت في رفع الأسعار
ورغم تمسّك ترامب بخطابه التقليدي الذي يَعتبر الرسوم الجمركية أداة ناجحة للضغط على الشركاء التجاريين، فإن قرار اليوم يعكس اعترافاً ضمنياً بأن هذه السياسات أدت إلى زيادة الأعباء على المستهلكين الأمريكيين.
تقديرات بنك الاستثمار الأمريكي “غولدمان ساكس” أكدت أن الرسوم التجارية تتحملها الشركات والمستهلكون في نهاية المطاف، وليس الدول المستهدفة، وهذا ما جعل الإدارة الأمريكية تقرّ بشكل غير مباشر بأن جزءاً مهماً من التضخم مرتبط بالسياسات الحمائية المتشددة.
ورأى الممثل التجاري الأمريكي جيمسون غرير، أن هذه الخطوة “امتداد طبيعي” للسياسات التجارية للإدارة، وأن توقيت تطبيق الإعفاءات جاء مناسباً للظروف الحالية حسب اطلاع بقش.
هل هو تراجع فعلي عن سياسة الرسوم؟
ويمكن القول إن الخطوة تُعد تراجعاً محدوداً أو تصحيحاً اضطرارياً للسياسات السابقة، لعدة أسباب أبرزها الاعتراف بالأثر التضخمي للرسوم الجمركية رغم دفاع الإدارة عنها سابقاً، والإعفاءات الواسعة التي تشمل مئات المنتجات، ما يشير إلى ضغط اقتصادي كبير وليس مجرد تعديل طارئ.
كما أن توقيت القرار قبل الانتخابات يدعم فرضية أن الإدارة تسعى لامتصاص غضب المستهلكين، وتحذيرات مجلس الاحتياطي الفيدرالي من صدمة أسعار ناتجة عن الرسوم تعزز القناعة بأن الاقتصاد بدأ يتأثر سلباً.
ومع ذلك، لا يزال القرار يروّج لفكرة أن الرسوم الجمركية أداة رابحة، وأن تعديلها يأتي ضمن سياسة مرنة وليست تراجعاً استراتيجياً.
مكاسب للمستهلك وتحديات للإدارة
على المدى القصير، يعني القرار خفضاً فعلياً للأسعار لعدد من السلع المستوردة، وتخفيفاً للضغط الشعبي والانتخابي، وتهدئة للمخاوف من استمرار التضخم المرتبط بالغذاء.
وقد يؤدي القرار على المدى المتوسط إلى تخفيف بعض التوترات التجارية مع الدول المصدّرة للسلع الغذائية، ويعطي إشارة إلى الأسواق بأن الإدارة أصبحت أكثر مرونة في إدارة ملف الرسوم، ويعزز موقف الاحتياطي الفيدرالي في تهدئة توقعات التضخم.
أما على المدى الطويل فقد يُنظر إليه كتراجع عن فلسفة الرسوم الجمركية الصارمة، ما يضعف خطاب ترمب حول نجاح “الحرب التجارية”، ويفتح الباب أمام مطالب مماثلة من قطاعات واسعة أخرى تضررت من الرسوم.
ويُعد خفض الرسوم الجمركية على السلع الغذائية لحظة مفصلية في سياسات ترامب الاقتصادية، فهي خطوة تجمع بين البراغماتية السياسية والحاجة الاقتصادية، وتكشف أن ارتفاع الأسعار أصبح تهديداً جدياً لشعبيته.
وبينما تحاول الإدارة تقديم القرار كجزء من استراتيجية محسوبة، يكشف الواقع الاقتصادي أن الخطوة تُعتبر اعترافاً بتأثير الرسوم السلبي على المستهلك الأمريكي، وربما بداية انحسار تدريجي للنهج الحمائي الذي اتسمت به سياسات ترامب.


