الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

تقرير أممي يكشف عمق أزمة الأسواق اليمنية: تدهور في العملة وارتفاع كلفة الغذاء والوقود

الاقتصاد اليمني | بقش

شهدت الأسواق اليمنية خلال يوليو 2025 مسارات متباينة في أسعار الصرف والوقود والسلع الغذائية الأساسية، وفق ما أظهرته نشرة السوق والتجارة الصادرة عن برنامج نظم معلومات الأمن الغذائي والتغذية التابع لمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو”.

التقرير، الذي يغطي 22 مدينة وأسواقاً ريفية مختارة، كشف عن استمرار التدهور الحاد في قيمة الريال بمناطق حكومة عدن مقابل استقرار نسبي في مناطق صنعاء، ما أدى إلى فوارق واسعة في الأسعار ومستويات المعيشة بين المنطقتين.

بحسب اطلاع مرصد بقش على تقرير “نشرة السوق والتجارة – يوليو 2025” الصادر عن الفاو، فقد بلغ متوسط سعر الصرف في مناطق حكومة عدن خلال يوليو نحو 2,828 ريالاً للدولار، بانخفاض سنوي يصل إلى 34%، في حين ظل السعر مستقراً حول 534 ريالًا للدولار في مناطق صنعاء، وهذه الفجوة الكبيرة في أسعار الصرف تنعكس مباشرة على مستويات الأسعار، إذ تبقى تكلفة الغذاء والوقود أعلى بكثير في الجنوب والشرق مقارنة بالشمال.

التقرير أشار إلى أن البنك المركزي في عدن اتخذ إجراءات صارمة في يوليو، من بينها تشكيل اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات، وفرض تمويل عبر البنوك المرخصة، وحصر الاستيراد في نحو 25 سلعة أساسية تشمل الحبوب والزيوت والسكر والأدوية.

كما أُغلقت عشرات مكاتب الصرافة غير المرخصة، وهذه الخطوات انعكست في بداية أغسطس على تحسن مؤقت للريال، لكنها بحسب التقرير لن تُحدث أثراً مستداماً ما لم تقترن بإصلاحات مالية أوسع وتدفق منتظم للعملة الأجنبية عبر الصادرات.

في جانب الوقود، وثّق التقرير استقراراً نسبياً في الأسعار خلال يوليو مقارنة بشهر يونيو، لكنه كشف عن ارتفاع سنوي حاد يتراوح بين 21 و36% في مناطق حكومة عدن، و37 إلى 63% في مناطق صنعاء، ويُعزى ذلك إلى تدهور العملة وارتفاع تكاليف الاستيراد والنقل. ويرجّح أن يؤدي التحسن المؤقت في سعر الصرف مطلع أغسطس إلى تراجع محدود في الأسعار، لكنه سيظل أثراً قصير الأجل في ظل هشاشة سوق الطاقة وتقلّبات الإمدادات.

أما السلع الغذائية الأساسية، فقد شهدت أسعارها ارتفاعاً طفيفاً في مناطق عدن خلال يوليو، لكنها تبقى أعلى بكثير من متوسط السنوات الثلاث الماضية. في المقابل، ظلّت الأسعار في صنعاء أقل نسبياً بفضل ضوابط التسعير والقيود المفروضة على الواردات، وفقاً للفاو، غير أن تلك الإجراءات تُبقي السوق عرضة لاختناقات قد تزيد من التباين بين المناطق.

ووفقاً لقراءة مرصد بقش لتقرير نشرة السوق والتجارة – يوليو 2025، فقد ارتفعت تكلفة السلة الغذائية الدنيا في مناطق حكومة عدن بنسبة 41% على أساس سنوي، وبقيت أعلى من متوسط ثلاث سنوات بنحو 56%. أما في صنعاء، فانخفضت التكلفة بنحو 10% مقارنة بمتوسط السنوات الثلاث، وهو ما يعكس أثر السياسات الرقابية على الأسعار رغم محدودية الإمدادات.

الأجور ومعامل القدرة الشرائية

وفي ما يخص الأجور، ارتفعت أجور العمالة اليومية غير الماهرة بشكل طفيف خلال يوليو، لكنها سجلت زيادة سنوية بلغت 20% في مناطق الحكومة و9% في صنعاء. غير أن هذه الزيادات لا تكفي لتعويض تآكل القدرة الشرائية بفعل تضخم أسعار الغذاء، الأمر الذي انعكس على تراجع معامل التبادل التجاري بين الأجور والحبوب. التقرير أكد أن الأسر الفقيرة، خصوصاً تلك المعتمدة على العمل المؤقت، تعاني من فجوة متزايدة بين الدخل وتكلفة الغذاء.

أما أسعار الثروة الحيوانية فقد ارتفعت بشكل لافت في مناطق عدن بنسبة تصل إلى 60% مقارنة بالعام الماضي، لكنها ظلت متقلبة بشدة مع بداية أغسطس نتيجة تذبذب سعر الصرف وارتفاع تكلفة الأعلاف. في المقابل، تراجعت الأسعار في صنعاء على أساس سنوي، مع بقاء الضغوط التصاعدية قائمة بسبب محدودية الأعلاف وموجات الجفاف.

ووفق متابعة مرصد بقش لتقرير الفاو، فقد أظهر يوليو تراجعاً في واردات القمح عبر موانئ الحديدة والصليف مقارنة بالشهر السابق، ما انعكس على المعروض المحلي شمال البلاد، بينما بقيت واردات القمح عبر عدن والمكلا أقل استقراراً بفعل تحديات لوجستية وتشغيلية.

أما واردات الوقود فسجلت اتجاهات مختلطة، مع زيادات على أساس سنوي في بعض الموانئ، يقابلها تراجع في الموانئ الجنوبية بسبب صعوبات تشغيلية ومناخية.

هشاشة الإصلاحات واستمرار المخاطر

التقرير حذّر من أن الإجراءات الأخيرة للبنك المركزي في عدن، رغم تأثيرها الإيجابي الأولي على سعر الصرف، قد تُضعف من مرونة السوق إذا لم تُرافق ببدائل منظمة لتدفق النقد التجاري والإنساني، خصوصاً في ظل القيود على الحوالات. كما أشار إلى أن استمرار ضعف الأجور وارتفاع تكلفة الغذاء سيبقي ملايين اليمنيين عرضة لانعدام الأمن الغذائي الحاد خلال ما تبقى من 2025.

ويخلص مرصد بقش، بناءً على قراءة شاملة لتقرير نشرة السوق والتجارة – يوليو 2025 الصادر عن الفاو، إلى أن السوق اليمنية باتت محكومة ببيئتين منفصلتين: بيئة تتسم بتقلب العملة وتضخم الأسعار في عدن، وبيئة في صنعاء تتسم بضوابط تحدّ من الارتفاع لكنها تخلق اختناقات في الإمدادات.

ويرجّح أن أي تحسن ملحوظ في أسعار الغذاء والوقود سيظل هشًا ما لم تُعالج الأسباب البنيوية، وعلى رأسها تدفق النقد الأجنبي، تمويل الواردات، وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي.

الأزمة الإنسانية المستمرة

ورغم توقف المعارك العسكرية في معظم الجبهات، إلا أن مظاهر الحرب لا تزال حاضرة بأشكال اقتصادية أثقلت كاهل اليمنيين، فالأزمات النقدية والقيود المفروضة على تدفق السلع والوقود والتمويلات تواصل تشكيل جبهة جديدة من المعاناة، حيث تحولت الحرب من ساحة ميدانية إلى صراع اقتصادي يطحن الفقراء ويقيد قدرة الأسر على الوصول إلى الغذاء والدواء.

التقرير الدولي، إلى جانب متابعات بقش، يوضح أن انعدام الأمن الغذائي ما زال يهدد حياة ما يقارب 18 مليون يمني في النصف الثاني من العام الجاري، نتيجة استمرار ضعف الدخل، وتذبذب الواردات، وغياب إصلاحات مالية شاملة، ورغم التحسن النسبي في بعض المؤشرات خلال أغسطس، إلا أن الواقع الإنساني لا يزال قاتماً مع غياب حلول جذرية.

ويؤكد مرصد بقش أن الأزمة في اليمن انتقلت من مرحلة الصراع المسلح إلى مرحلة الاستنزاف الاقتصادي الممنهج، حيث تحولت الأدوات النقدية والقيود التجارية إلى بدائل للحصار المباشر، لتبقى معاناة اليمنيين ممتدة في صورة حرب اقتصادية خانقة لا تقل أثراً عن الحرب الميدانية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش