تقارير
أخر الأخبار

حرب ضريبية مفتوحة بين وزارة المالية والبنوك الإسرائيلية.. ضريبة جديدة أم ضربة قاضية؟

تقارير | بقش

تشهد الساحة الاقتصادية في إسرائيل تصعيداً غير مسبوق بين الحكومة والبنوك، بعد أن أعلن وزير المالية سموتريتش عزمه فرض ضريبة خاصة وثابتة على أكبر المصارف الإسرائيلية لمدة خمس سنوات مقبلة، في خطوة وصفها بأنها تهدف إلى إعادة جزء من “الأرباح الهائلة” التي حققتها البنوك إلى الجمهور، بينما تراها البنوك استهدافاً مباشراً لها وتهديداً للاقتصاد والمستهلكين على حد سواء.

هذا الإعلان فجّر جدلاً واسعاً خلال الأسبوع الماضي، حيث تمسك سموتريتش بموقفه، في مقابل رد قوي من رابطة البنوك التي أعلنت “نضالاً لا هوادة فيه” بجميع الوسائل القانونية، لإسقاط هذا القرار الذي وصفته بالجائر، في إشارة واضحة إلى احتمال نقل المعركة من الكنيست إلى أروقة المحكمة العليا.

في قلب هذا السجال تقف أرقام ضخمة لا خلاف عليها، فالبنوك الإسرائيلية حققت خلال عام 2025 أرباحاً تُقدّر بنحو 30 مليار شيكل (9.3 مليارات دولار) وفق اطلاع بقش على ما نشره موقع واي نت الإسرائيلي، وتشير التوقعات إلى أن هذه الأرباح قد ترتفع إلى حوالي 34 مليار شيكل (10.6 مليار دولار) هذا العام، حتى في ظل الحرب والظروف الاستثنائية التي يعيشها الاقتصاد.

لكن الخلاف الحقيقي لا يدور حول حجم الأرباح، بل حول أسبابها: هل جاءت هذه الأرباح نتيجة استغلال فجّ للفجوة بين أسعار الفائدة على القروض والودائع؟ أم إنها نتاج طبيعي لتوسع حجم الأموال التي تديرها البنوك، إلى جانب سياسات تقشف داخلية شملت تسريح آلاف الموظفين وإغلاق عشرات الفروع؟

أحد كبار المصرفيين حاول تبسيط الصورة عبر تشبيه لافت وفقاً للموقع الإسرائيلي: متجر ملابس استعد لشتاء قارس فباع أضعاف ما باعه في العام السابق من المعاطف، من دون أن يرفع الأسعار.

النتيجة كانت أرباحاً أعلى بسبب الكميات، لا بسبب الاستغلال، والسؤال الذي طرحه: هل يُعاقَب التاجر لأنه باع أكثر؟

وزارة المالية: سلوك “مخزٍ” في زمن الحرب

في المقابل، يرى مسؤولون رفيعو المستوى في وزارة المالية وأعضاء في الفريق الذي ناقش مسألة الضريبة المصرفية أن الصورة أكثر قتامة.

فوفق اطلاع بقش على ما قالوه، شهد دخل الفوائد كنسبة من إجمالي أصول النظام المصرفي ارتفاعاً واضحاً منذ الربع الثاني من عام 2022، واستمر في الصعود خلال فترة الحرب.

وانخفضت الرسوم المصرفية نسبياً، إلا أن مسؤولاً بارزاً في وزارة المالية وصف الفجوة بين أسعار الفائدة المرتفعة على القروض، والفوائد شبه الصفرية التي مُنحت للودائع والحسابات الجارية خلال العامين الماضيين، بأنها “سلوك بغيض ومشين تجاه شعب يعيش في ظروف حرب”.

أضاف مسؤول رفيع في وزارة الخزانة أن آلاف العملاء الذين قضوا مئات الأيام في الخدمة الاحتياطية لم يحصلوا من البنوك إلا على تسهيلات محدودة جداً، وُضعت فقط نتيجة تعليمات مباشرة من بنك إسرائيل.

وبدلاً من الالتزام بروح القانون في هذه المرحلة العصيبة “استغلت البنوك الوضع ونهبت عملاءها قدر المستطاع، فيما كان هؤلاء عاجزين عن المواجهة أمام نظام مصرفي منسق ومغلق” حسب قراءة بقش.

حقائق لا خلاف عليها

وسط هذا الاشتباك، تبرز حقائق يصعب إنكارها، فسعر الفائدة الذي يحدده بنك إسرائيل يُعد من بين الأعلى عالمياً، والبنوك هي المستفيد الأكبر من هذا الواقع.

ورغم أن هوامش الفائدة مرتفعة، إلا أن المعطيات التي قُدمت للجنة الخاصة التي شكّلها سموتريتش أظهرت أن هذه الهوامش ليست استثنائية مقارنة بدول أخرى، بل إنها أقل مما هو معمول به في عدد غير قليل من الاقتصادات.

كما أن نمو أرباح البنوك، الذي بلغ مليارات الدولارات سنوياً حتى أثناء الحرب وفق التقرير، تزامن مع توسع كبير في حجم الأموال التي تديرها المصارف، بنسبة تزيد بعشرات النقاط المئوية مقارنة بما كانت عليه قبل عقد، إلى جانب تقليص حاد في النفقات التشغيلية عبر تسريح آلاف الموظفين وإغلاق فروع، ما ساهم في تضخيم الأرباح.

لجنة بلا توصية حاسمة

اللجنة التي عيّنها وزير المالية لدراسة فرض الضريبة لم تُجمع على توصية واضحة، فقد عارض نحو نصف أعضائها، ومعظمهم من ممثلي بنك إسرائيل ودائرة الميزانية، فرض ضريبة جديدة على البنوك، محذرين من آثار غير مباشرة قد تطال الجمهور نفسه.

ومن بين المخاوف التي طُرحت أن أي ضريبة ثابتة على أرباح البنوك ستنعكس سلباً على المدخرين، لأن غالبية أسهم البنوك مملوكة للجمهور، سواء عبر صناديق التقاعد أو الادخار قصير ومتوسط الأجل. وبالتالي، فإن تراجع ربحية البنوك قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الأسهم، ما يلحق الضرر مباشرة بمدخرات المواطنين.

وأكد أعضاء في اللجنة أن الضريبة الإضافية، حتى لو فُرضت بنية إعادة الأرباح إلى الجمهور، قد تُحمّل في النهاية على المستهلكين، فتؤدي إلى تدهور أوضاعهم بدل تحسينها.

المستهلك يدفع الثمن

هذا التخوف تدعمه أبحاث دولية، فقد توصل باحثون من البنك المركزي الإيطالي وبنك التسويات الدولية إلى أن فرض ضرائب على أرباح البنوك يؤدي في الغالب إلى رفع أسعار الفائدة على القروض حسب متابعة بقش، أي إن البنوك لا تتحمل العبء الضريبي بنفسها، بل تنقله إلى العملاء الذين يصبحون الخاسر الأكبر.

تقرير اللجنة أشار كذلك إلى أن زيادة الضرائب قد تُضعف عرض الائتمان في السوق، ما ينعكس سلباً على مستوى الاستثمار والنمو الاقتصادي.

وسط هذا الجدل، وجّهت مفوضة المنافسة ميخال كوهين انتقادات شديدة للبنوك خلال مؤتمر “أوجين” الذي عُقد بالتعاون مع صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، واعتبرت أن هناك عائقاً جوهرياً أمام انتقال العملاء بين البنوك، يتمثل في غياب التفاعل، إذ لا يمتلك معظم العملاء الوقت أو القدرة على مقارنة المنتجات المصرفية.

وأوضحت أن سلوك البنوك يشجع هذا الجمود، لأنها تستفيد من بقاء العميل غير نشط، فلا عروض واضحة، ولا منتجات بسيطة، وربط متعمد بين الخدمات، بحيث تُشترط أسعار معينة لبطاقات الائتمان أو منتجات أخرى.

وأعلنت كوهين أنها تدرس إصدار توجيهات تُلزم البنوك بالشفافية الكاملة في أسعار الودائع، وتمنع التمييز بين عملاء التجزئة، مع إمكانية تصنيف البنوك كمجموعة احتكارية، ما يسمح بفرض لوائح صارمة لتعزيز المنافسة.

وفي المؤتمر نفسه، عبّر المشرف المصرفي دانيال خاتشياشفيلي عن معارضته القاطعة للضريبة المقترحة، محذراً من أنها ستقوض المنافسة التي تسعى الجهات الرقابية إلى ترسيخها، وأضاف أن فرض ضريبة على “الربحية الزائدة” يجب، إن تم، أن يكون وفق صيغة عامة تُطبق على جميع الشركات، لا على البنوك وحدها.

شبح المحكمة العليا

حين أدركت وزارة المالية أن فرض ضريبة مرتفعة على البنوك، دون فرضها على الشركات العملاقة الأخرى والاحتكارات، قد يُسقطها القضاء، طُرحت فكرة توسيع نطاق الضريبة لتشمل شركات كبيرة حققت أرباحاً استثنائية في السنوات الأخيرة، لكن البيانات المتعلقة بهذا المقترح لم تُدرج في تقرير اللجنة.

وفي نهاية المطاف، خلص الفريق إلى أن الحجج متوازنة بين الطرفين، وأوصى بإحالة القرار النهائي إلى المستوى السياسي، من دون تبنٍ صريح لفرض الضريبة.

بل إن التقرير أشار إلى أنه حتى لو فُرضت الضريبة، فإن المعدل المنطقي لا يتجاوز نصف النسبة التي أعلنها سموتريتش، أي أقل بكثير من 15% على 50% من الأرباح الأعلى مقارنة بمتوسط أعوام 2018–2022، مع تحذير واضح من العواقب السلبية المحتملة.

المعركة حول الضريبة الاستثنائية الثابتة، التي يخطط وزير المالية لفرضها حتى عام 2030، لا تزال في بدايتها، ويُتوقع أن تحتدم في الكنيست وربما أمام المحكمة العليا، وفي هذه الأثناء ستواصل البنوك سياستها المعهودة، أي الفوائد المرتفعة على القروض، والعوائد المنخفضة نسبياً على الودائع، لضمان استمرار تحقيق أرباح ضخمة في العام المقبل أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى