الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

حضرموت، السعودية والمجلس الانتقالي.. هل تسعى المملكة إلى إيجاد منفذ لـ”بحر العرب” عبر “درع الوطن”؟

متابعات محلية | بقش

دخلت محافظتا حضرموت والمهرة طوراً حساساً من التوتر العسكري، على وقع التدخل العسكري السعودي ضد قوات تابعة للمجلس الانتقالي في حضرموت (قوات النخبة الحضرمية بوادي نُحَب)، وجاء التدخل العسكري عقب بيان الخارجية السعودية “الخميس” الذي طالب بالانسحاب من المحافظتين وقال إن سيطرة الانتقالي تمت دون موافقة المجلس الرئاسي أو التنسيق مع التحالف.

وأسفر تصعيد القتال في حضرموت عن مقتل فردين من قوات النخبة الحضرمية التابعة للمجلس، وقال مصدر في المجلس الانتقالي إن “مجموعات مسلحة” نفذت كميناً لقوات المجلس في منطقة غيل بن يمين شرق حضرموت، لكن القوات استطاعت استعادة السيطرة على المنطقة.

ونقلت رويترز عن المجلس قوله إن القصف الجوي “المستغرَب لن يخدم أي مسار تفاهم ولن يثني شعب الجنوب عن المضي نحو استعادة كامل حقوقه”. وأشارت الوكالة إلى ترتيبات لضمان عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين.

التعامل السعودي مع المجلس وتمكين قوات “درع الوطن”

التحالف بقيادة السعودية قال إنه سيتم التعامل مع التحركات العسكرية في حضرموت باليمن، وأكد أن أي تحركات عسكرية من جانب المجلس الانتقالي (المجموعة الانفصالية الرئيسية في جنوب اليمن حسب توصيف وكالة رويترز) تتعارض مع جهود خفض التصعيد في محافظة حضرموت، وسيجري التعامل معها لحماية المدنيين.

جاء هذا الموقف الرسمي عبر بيان للمتحدث باسم قوات التحالف، تركي المالكي، رداً على طلب رسمي تقدم به رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، الذي دعا التحالف إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين في حضرموت من “الانتهاكات الإنسانية الجسيمة والمروعة بحقهم من قبل العناصر المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي”.

وبدوره دعا العليمي المجلس الانتقالي إلى الاستجابة الفورية لهذه الجهود والانسحاب من حضرموت والمُهرة وتسليم المعسكرات لقوات درع الوطن والسلطات المحلية.

وأيّد “حلف قبائل حضرموت” ذلك، وقال إنه يدعم المجلس الرئاسي والجهود الرامية لإخراج المجلس الانتقالي، ويرفض أي محاولات لفرض واقع بالقوة أو زعزعة السلم المجتمعي، أو جرّ حضرموت إلى صراعات أو فوضى.

يضيف تقرير رويترز، حسب قراءة بقش، أن المجلس الانتقالي كان قد أجبر الحكومة على مغادرة مقرها في عدن، وأعلن بسط سيطرته على مساحات واسعة من الجنوب هذا الشهر.

ورفض المجلس الانتقالي مطلباً سعودياً لقواته بالانسحاب من المناطق التي سيطر عليها، قائلاً إنه سيواصل “تأمين محافظتي حضرموت والمهرة”.

في السياق ذاته، طالب وزير الدفاع السعودي المجلس الانتقالي بالاستجابة لجهود الوساطة السعودية والإماراتية والخروج من معسكرات محافظتي حضرموت والمهرة وإنهاء التصعيد عبر التوافق.

وجاء في تصريح خالد بن سلمان الذي طالعه بقش: “حان الوقت للمجلس الانتقالي في هذه المرحلة الحساسة تغليب صوت العقل والحكمة والمصلحة العامة ووحدة الصف بالاستجابة لجهود الوساطة السعودية الإماراتية لإنهاء التصعيد وخروج قواتهم من المعسكرات في المحافظتين وتسليمها سلمياً لقوات درع الوطن والسلطة المحلية”.

ويشار إلى قوات “درع الوطن” المدعومة من السعودية، كأول قوة عسكرية ينشئها المجلس الرئاسي، وأعلن عنها في أوائل 2023، بهدف “إحلال السلام في اليمن”، ويقع مقرها الرئيس في قاعدة العند بمحافظة لحج.

وأضاف الوزير السعودي: “القضية الجنوبية ستظل حاضرة في أي حل سياسي شامل ولن تُنسى أو تُهمش، وينبغي أن يتم حلها من خلال التوافق والوفاء بالالتزامات وبناء الثقة بين أبناء اليمن جميعاً، لا من خلال المغامرة التي لا تخدم إلا عدو الجميع”.

السعودية قالت إنه جرى إرسال وفد “لوضع الترتيبات اللازمة” لضمان عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وبدوره قال المجلس إنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات تقوم على ضمان عدم عودة التهديدات الأمنية.

إعادة هندسة النفوذ.. ومنفذ مباشر إلى بحر العرب

لا يقتصر المشهد الراهن على خلاف تكتيكي أو سوء تنسيق عابر، بل يعكس مساراً متدرجاً لإعادة هندسة القوة في جنوب وشرق اليمن.

ففي المرحلة السابقة، جرى إقصاء حزب الإصلاح وقوات الشرعية التقليدية من مراكز النفوذ العسكري والأمني في الجنوب. ثم أُفسح المجال أمام المجلس الانتقالي لملء الفراغ، وبسط سيطرته على عدن ومناطق واسعة من الجنوب.

واليوم، ومع انتقال التوتر إلى حضرموت والمهرة، وهما المحافظتان الأكثر حساسية جغرافياً واستراتيجياً، تتبدى ملامح مرحلة ثالثة، عنوانها إعادة ضبط المشهد عبر إحلال قوات “درع الوطن” المدعومة سعودياً، تحت مظلة حماية المدنيين، وخفض التصعيد، واستعادة الاستقرار.

ويُقرأ هذا المسار، وإن جرى تغليفه بخطاب الوساطة والشراكة ووحدة الصف، بأنه يعيد إحياء الطموحات والخطط السعودية القديمة–الجديدة للحصول على منفذ مباشر إلى بحر العرب، عبر فضاء جغرافي يمتد من شرق اليمن، ويمنح المملكة عمقاً استراتيجياً بحرياً مستقلاً عن مضائق التوتر التقليدية.

ويشكل التصعيد الحاصل فصولاً في عملية إعادة ترتيب شاملة لمعادلة النفوذ جنوب اليمن، في عملية يبدو أنها لا تستهدف طرفاً بعينه بقدر ما تسعى إلى إعادة توجيه أدوات السيطرة، بما يضمن أمن الحدود، وتأمين الممرات الحيوية، وترسيخ حضور قوات موالية للرياض في مناطق تشكّل بوابة اليمن الشرقية على بحر العرب، بكل ما يحمله ذلك من أبعاد سياسية، عسكرية، وجيوستراتيجية بعيدة المدى.

زر الذهاب إلى الأعلى