حكومة عدن تكشف عن آلية الاستيراد الجديدة وتحصر استيراد 25 سلعة عبر البنوك

الاقتصاد اليمني | بقش
أقرت اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات التابعة لحكومة عدن، آلية جديدة تُلزم التجار باستيراد مجموعة محددة من السلع عبر النظام المصرفي فقط، وذلك ابتداءً من 10 أغسطس 2025.
وتشمل الآلية سلسلة من الإجراءات التي تحصر تمويل استيراد هذه السلع بالعملة الأجنبية من خلال البنوك أو شركات الصرافة المعتمدة، مع منع دخول أي شحنة عبر المنافذ الجمركية إلا بعد استيفاء الشروط البنكية.
هذه الخطوة تأتي بعد سنوات من الفوضى في عمليات الاستيراد وتمويلها، وسط توسّع السوق السوداء، وتدهور الثقة بالبنوك، وغياب الرقابة الفعلية على العملة الأجنبية. وبحسب اطلاع المرصد الاقتصادي بقش على الوثائق الرسمية، فإن الآلية وضعت هيكلاً تفصيلياً، لكنه يظل نظرياً ما لم يُترجم إلى واقع ملموس على الأرض.
السلع التي أصبح تمويل استيرادها محصوراً عبر البنوك تشمل 25 مادة تُعتبر حيوية أو مؤثرة على السوق، وهي: المشتقات النفطية، القمح، الأرز، البلاستيك ومشتقاته، الزيوت النباتية الجاهزة، الأدوية، محضرات غذائية، حديد البناء، الدجاج المجمد، السكر، الألبان، الأوراق والكراتين، الجبن، الحديد المصنع، البلاط والرخام، الفحم، الأسمنت، الأخشاب، المكيفات والغسالات والثلاجات، ألواح الطاقة الشمسية، الأسمدة، الدقيق والذرة، خشب الأبلكاش، الزيوت النباتية للصناعة.

وبحسب تحليل المرصد الاقتصادي بقش للآلية، فإن اختيار هذه القائمة يعكس محاولة لكبح استنزاف العملة الأجنبية، وفرض رقابة على مواد تشهد تهريباً واسعاً وتلاعباً في الأسعار.
تفاصيل الإجراءات: عبء تنظيمي أم تنظيم فعلي؟
الآلية تشترط على التاجر تقديم طلب مسبق للموافقة على المصارفة، مرفقاً بعقد شراء، وفاتورة أولية، ورخصة استيراد، إضافة إلى بيانات دقيقة حول المورد ووسيلة الدفع. ثم يتم رفع الطلب للبنك أو شركة الصرافة، التي بدورها ترفعه إلى اللجنة لمراجعته، قبل أن يُسمح بتنفيذ المصارفة وتحويل العملة وفق سعر السوق.

كما تنص الوثيقة على عدم السماح بدخول أي شحنة إلى الموانئ أو المنافذ الجمركية إذا لم تكن مغطاة عبر هذه الآلية. ووفقاً لاطلاع بقش على الوثائق، فإن اللجنة حدّدت مهلة استثنائية للسلع التي تم تحويل قيمتها قبل 10 أغسطس، بشرط وصولها إلى المنافذ قبل 20 أغسطس 2025.
نجاح البنك مرهون بتحسّن حياة الناس وليس فقط انخفاض الدولار
الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي قال في تصريح خاص لـ”بقش” إن “الخطوة من حيث المبدأ مطلوبة ومتأخرة، ويبقى الآن أن تُنفّذ بحزم على الأرض”.
وأشار الحمادي إلى أن انخفاض سعر الصرف الأخير في عدن لا يكفي، مضيفاً: “ما لم يلمس المواطن تحسناً في الأسعار وتوفراً في السلع، فإن كل هذه الإجراءات ستفقد معناها الحقيقي، وسنعود إلى الحلقة المفرغة نفسها.”
وحذر من أن بعض التجار قد يبحثون عن ثغرات في التنفيذ، عبر فواتير وهمية أو استيراد غير مباشر، ما لم يتم دعم الآلية برقابة ميدانية حقيقية وإصلاحات أوسع في الجهاز المصرفي.

وبحسب خبراء فإن التطبيق هو التحدي الأكبر، خاصة مع ضعف البنية التحتية للبنوك، وبطء المعاملات، وغياب الشفافية في التعامل مع التجار الصغار. كما لا تزال مسألة تباين أسعار الصرف بين السوق الرسمية والموازية تمثل ثغرة كبرى قد تقوّض الآلية وتُعيد النفوذ للتجار المتعاملين مع السوق السوداء.
حتى الآن، لم تُعلن اللجنة عن آلية واضحة لمراقبة التنفيذ أو فرض العقوبات على المخالفين، كما لم تُنشر قوائم البنوك المعتمدة بشكل نهائي، ما يثير تساؤلات حول الجاهزية.
وفي ظل غياب شفافية حقيقية وتحديث فوري للبيانات، فإن هذا الترتيب قد يتحول إلى باب جديد للبيروقراطية أو الاحتكار، بدلاً من أن يكون مدخلًا للإصلاح.
الآلية الجديدة تنظيمياً خطوة تستحق، ولكنها ليست معجزة بحد ذاتها، فالتنفيذ، الشفافية، العدالة في التعامل مع كل فئات التجار، وتوافر النقد الأجنبي بشكل فعلي في البنوك، هي عناصر حاسمة.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل سنشهد تحسناً حقيقياً في الأسعار وانضباطاً في السوق؟ أم أن مصير هذه الآلية سينتهي كما انتهت قرارات كثيرة سابقة؟