
في ظل الإعلان الأخير لشركة “أرامكو” السعودية عن خفض توزيعات الأرباح النقدية لعام 2025، تتجه الأنظار نحو تأثير هذا القرار على عجز ميزانية المملكة العربية السعودية. وتتوقع وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني أن يرتفع العجز المالي إلى 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقارنة بتقديرات الحكومة التي تشير إلى 2.3%.
وأعلنت “أرامكو”، العملاقة النفطية السعودية، الأسبوع الماضي عن خفض توزيعات الأرباح النقدية لعام 2025 إلى 85 مليار دولار، بانخفاض سنوي قدره 31% مقارنة بتوزيعات العام الماضي التي بلغت 124 مليار دولار. وتُعد هذه التوزيعات من الأكبر عالمياً، حيث تمتلك الحكومة السعودية حصة 82% من أسهم الشركة، بينما يملك صندوق الاستثمارات العامة 16%.
وبالتالي، فإن انخفاض التوزيعات سيؤثر بشكل مباشر على موارد الدولة المالية وعلى الصندوق السيادي، الذي يعتمد بشكل كبير على هذه الإيرادات لتمويل مشاريعه الاستثمارية.
اتساع عجز الموازنة وتوقعات “فيتش”
توقعت وكالة “فيتش” أن يؤدي انخفاض توزيعات “أرامكو” إلى اتساع عجز ميزانية المملكة إلى 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي، مع توقعات بارتفاعه إلى 3.9% في العام المقبل. واعتمدت الوكالة في توقعاتها على افتراض أن متوسط سعر برميل النفط سيبلغ 70 دولاراً هذا العام و65 دولاراً في عام 2025.
وأشارت “فيتش” إلى أن الحكومة السعودية قد تلجأ إلى خفض الإنفاق الرأسمالي كإجراء لاحتواء هذا العجز، خاصة في ظل مرونتها في إدارة النفقات الاستثمارية.
وأضافت الوكالة أن الحكومة قد تعيد ترتيب أولوياتها الإنفاقية، بما في ذلك تقليص بعض المشاريع الكبرى، لتخفيف الضغط على المالية العامة. ومع ذلك، حذرت “فيتش” من أن خفض الإنفاق الاستثماري قد يؤثر سلباً على جهود المملكة لتنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على النفط، وهو أحد الأهداف الرئيسية لرؤية 2030.
زيادة الإنتاج النفطي وتأثيراته الإيجابية
من جهة أخرى، اتفق أعضاء تحالف “أوبك+” مطلع الشهر الجاري على زيادة الإمدادات النفطية تدريجياً بدءاً من أبريل، مما سيسمح للمملكة برفع إنتاجها النفطي بنسبة 10% ليصل إلى نحو 10 ملايين برميل يومياً، مقارنة بـ9 ملايين برميل حالياً.
وتتوقع “فيتش” أن تساهم هذه الزيادة في تعزيز النمو الاقتصادي السعودي، حيث من المتوقع أن يرتفع معدل النمو إلى 3.4% هذا العام، وصولاً إلى 4.6% في عام 2025. وسيأتي هذا النمو مدفوعاً بارتفاع إنتاج النفط بنسبة 2.7% هذا العام و6.4% في العام المقبل.
أشار تقرير “فيتش” إلى أن المملكة تتمتع بميزات رئيسية تدعم تصنيفها الائتماني، بما في ذلك الأصول السيادية الأجنبية الصافية الكبيرة والاحتياطيات المالية الضخمة في شكل ودائع وأصول أخرى في القطاع العام.
ومع ذلك، من المتوقع أن يرتفع الدين الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 35.3% بحلول نهاية عام 2025، مقارنة بـ29.7% في نهاية عام 2024. ورغم ذلك، أكدت الوكالة أن هذا المستوى لا يزال أقل بكثير من المتوسط المتوقع للدول المصنفة ضمن نفس الفئة، والذي يبلغ 55.1%.
تداعيات خفض التوزيعات على الاقتصاد السعودي
يعتبر خفض توزيعات “أرامكو” مؤشراً على التحديات التي تواجهها المملكة في ظل التقلبات العالمية في أسواق النفط. ومن المتوقع أن تؤثر هذه الخطوة على قدرة الحكومة على تمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى، خاصة تلك المرتبطة برؤية 2030.
ومع ذلك، يمكن أن يشكل هذا القرار فرصة لإعادة تقييم الأولويات الإنفاقية وتعزيز الكفاءة في إدارة الموارد المالية.
في ظل هذه التحديات، يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوراً محورياً في دعم الاقتصاد السعودي من خلال زيادة الاستثمارات في قطاعات غير نفطية مثل السياحة والترفيه والتكنولوجيا. وقد تعمل الحكومة على تشجيع القطاع الخاص عبر تقديم حوافز ضريبية وتسهيلات تمويلية لتعزيز مشاركته في تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي.
ورغم التحديات الحالية، يبقى الاقتصاد السعودي في وضع قوي نسبياً بفضل احتياطياته المالية الكبيرة ومرونته في إدارة التقلبات الاقتصادية. ومع استمرار الجهود لتنويع مصادر الدخل، يمكن للمملكة أن تحقق نمواً مستداماً على المدى الطويل. ومع ذلك، يتطلب ذلك تعزيز الشفافية في إدارة الموارد وزيادة كفاءة الإنفاق الحكومي لضمان تحقيق الأهداف الاقتصادية الطموحة.