
في تصريحات تحمل دلالات هامة على مستقبل الاقتصاد الأمريكي والعالمي، حذر رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي “جيروم باول” من أن الرسوم الجمركية الشاملة التي أعلن عنها ترامب مؤخراً تنطوي على مخاطر حقيقية بتصاعد معدلات التضخم وتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي.
أوضح “باول”، خلال كلمته في المؤتمر السنوي لجمعية تطوير تحرير وكتابة الأعمال، أن التقديرات الأولية تشير إلى أن التأثير الاقتصادي لهذه التعريفات سيكون “أكبر بكثير من المتوقع”، مؤكداً على ضرورة أن يراقب البنك المركزي عن كثب هذه التطورات لضمان عدم تحولها إلى مشكلة تضخمية مستمرة.
وأشار إلى أن “التقدم نحو بلوغ التضخم هدفه عند 2% تباطأ مؤخراً”، وأن التعريفات الجمركية قد يكون لها تأثير دائم على الأسعار، خاصة في ظل المخاوف المتزايدة بشأن ارتفاع محتمل في معدلات البطالة والتضخم نتيجة لهذه السياسات التجارية.
وفيما يتعلق بالسياسة النقدية، أكد باول على أن موقف الاحتياطي الفيدرالي الحالي “ثابت في مواجهة المخاطر”، وأن البنك المركزي يقوم حالياً بتقييم دقيق للتأثيرات الاقتصادية المحتملة لهذه السياسات التجارية الجديدة.
وألمح إلى أنه “من السابق لأوانه تحديد المسار المناسب للسياسة النقدية”، مشدداً على أن الفيدرالي سينتظر المزيد من البيانات الاقتصادية الواضحة وتحليلها بشكل شامل قبل اتخاذ أي قرار بشأن تعديل أسعار الفائدة. وفي هذا السياق، أكد باول على أن “الاحتياطي الفيدرالي في وضع جيد للتعامل مع أي مستجد قد يحدث”، وأن “لدينا الوقت” قبل اتخاذ أي خطوات متسرعة.
تأتي تصريحات رئيس الفيدرالي في أعقاب إعلان ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة وواسعة النطاق على الواردات من مختلف دول العالم، وهو ما قوبل بالفعل بردود فعل انتقامية من بعض الشركاء التجاريين، وعلى رأسهم الصين التي أعلنت عن تعريفات مماثلة على الواردات الأمريكية وقيود على تصدير بعض المعادن النادرة.
هذه التطورات أدت إلى حالة من الهلع في الأسواق العالمية، حيث شهدت الأسهم الأمريكية أسوأ تراجع لها في يومين منذ ذروة جائحة “كورونا” في مارس 2020، كما هوت أسعار النفط وتراجع سعر الذهب، بينما تراجع الدولار الأمريكي عن جميع المكاسب التي حققها منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
تأثيرات عالمية محتملة وترقب حذر للأسواق
إن تحذيرات رئيس الاحتياطي الفيدرالي تعكس قلقاً متزايداً في الأوساط الاقتصادية العالمية بشأن التداعيات السلبية المحتملة للسياسات الحمائية التي تتبناها الإدارة الأمريكية.
ففرض رسوم جمركية واسعة النطاق لا يهدد فقط بارتفاع تكلفة السلع على المستهلكين والشركات، بل يزيد أيضاً من حالة عدم اليقين في الأسواق ويقوض سلاسل الإمداد العالمية، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
ردود الفعل القوية من الأسواق المالية، والتي تجلت في الانخفاضات الحادة في أسعار الأسهم والنفط، تشير إلى أن المستثمرين قلقون بالفعل بشأن المخاطر المتزايدة التي تترتب على هذه الحرب التجارية المتصاعدة.
كما أن توقعات الأسواق المالية بإجراء عدة تخفيضات في أسعار الفائدة الأمريكية هذا العام، على عكس توقعات الاحتياطي الفيدرالي نفسه، تعكس حالة من الترقب والقلق بشأن قدرة الاقتصاد الأمريكي على تحمل هذه الضغوط الجديدة.
يبقى أن نرى كيف ستتطور الأوضاع في الأشهر القادمة، وما إذا كانت الإدارة الأمريكية ستعيد النظر في سياساتها التجارية في ضوء هذه التحذيرات والتطورات الاقتصادية السلبية. وفي الوقت نفسه، سيظل الاحتياطي الفيدرالي تحت المجهر، حيث يترقب الجميع قراراته المستقبلية بشأن السياسة النقدية وكيف سيوازن بين مخاطر التضخم والتباطؤ الاقتصادي في ظل هذه الظروف غير المؤكدة. إن استقرار الاقتصاد العالمي برمته يعتمد بشكل كبير على كيفية تعامل صناع القرار في واشنطن مع هذه التحديات المتزايدة.
في خضم هذه التحذيرات الاقتصادية المتصاعدة، لم يتوان ترامب عن التعبير عن وجهة نظره المنتقدة لسياسات الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه جيروم باول. فقبل دقائق معدودة من إلقاء باول لخطابه الهام، عاد ترامب ليجدد مطالبته الملحة بخفض أسعار الفائدة بشكل فوري، معتبراً أن هذا هو “التوقيت المثالي” لاتخاذ مثل هذه الخطوة.
لم يكتفِ ترامب بهذه الدعوة، بل شن هجوماً لاذعاً على أداء الفيدرالي تحت قيادة باول، واصفاً إياه بأنه “دائماً متأخر” في استجابته للتطورات الاقتصادية. ومع ذلك، رأى ترامب أن الفرصة سانحة الآن للفيدرالي لتغيير هذه الصورة النمطية، خاصة في ظل انخفاض أسعار الطاقة وتراجع التضخم، وحتى انخفاض أسعار بعض السلع الأساسية مثل البيض.
واختتم ترامب تغريداته بلهجة حادة موجهاً كلامه مباشرة إلى رئيس الفيدرالي: “جيروم باول، خفّض أسعار الفائدة، وتوقف عن لعب دور سياسي”. تعكس هذه التصريحات استمرار الضغط السياسي الذي يمارسه ترامب على البنك المركزي، وتؤكد على وجود فجوة واضحة في الرؤى بين الإدارة السابقة والقيادة الحالية للفيدرالي بشأن أنسب السبل لإدارة الاقتصاد الأمريكي.