صراع على المال العام: جهة رسمية تضغط لوقف تحويل إيرادات جمرك شحن للبنك المركزي

الاقتصاد اليمني | بقش
حصل “مرصد بقش” على وثيقة رسمية صادرة عن مكتب جمرك شحن في محافظة المهرة، تُظهر أن موظفي الجمرك تلقّوا تهديدات مباشرة بالسجن والطرد من وظائفهم بعد التزامهم بتنفيذ القرار الحكومي القاضي بتوريد الإيرادات العامة إلى بنك عدن المركزي.
وبحسب المذكرة الموجهة من مدير جمرك شحن، محروس مرعي مبارك، إلى رئيس مصلحة الجمارك عبدالكريم القباطي، فإن لجنة محلية شكلتها السلطة في المحافظة، تضم وكيل المحافظة ومدير الشؤون المالية والإدارية وعدداً من ممثلي الموارد المالية، مارست ضغوطاً متكررة على موظفي الجمرك مطالبةً إياهم بوقف تحويل الإيرادات إلى عدن، ومهددةً باستبدالهم فوراً في حال رفضهم الانصياع.
وتوضح المذكرة أن هذه الجهود انصبت على تحويل الإيرادات إلى حسابات محلية خارج الإطار القانوني المعتمد من وزارة المالية، في مخالفة مباشرة لقرارات الحكومة التي شددت مؤخراً على توحيد الإيرادات العامة وتوريدها عبر القنوات الرسمية للبنك المركزي.
وأكدت الوثيقة أن تلك الممارسات تمثل تجاوزاً خطيراً لصلاحيات الدولة واعتداءً على اختصاصات مصلحة الجمارك، معتبرةً أنها خطوة تهدد وحدة المنظومة المالية وتضعف سلطة الحكومة في ضبط الموارد العامة.
وحذّر مدير جمرك شحن من أن استمرار هذه التدخلات سيقود إلى شلل مؤسسي في المنافذ الإيرادية، ويهدد بانهيار منظومة التحصيل المالي، بما يقوّض خطة الحكومة في إعادة ضبط الموارد وتفعيل الرقابة المالية ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي.
في هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي إن “الالتزام بتوريد الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن ليس خياراً إدارياً، بل شرط لسلامة المالية العامة. وأي تدخل لإعادة توجيه الأموال محلياً يخلق مراكز إنفاق موازية تُفكّك الدولة مالياً”.
ويضيف الحمادي: “التهديد المباشر للموظفين يُدخلنا في منطقة خطرة؛ فهو يبعث رسالة عكسية لكل أجهزة التحصيل، ويجعل الامتثال للقوانين مغامرة شخصية بدلاً من كونه واجباً وظيفياً محمياً”. ويتابع: “إذا لم تُحسم هذه الواقعة بقرارات رادعة وشفافة، سنرى عدوى ‘الحسابات البديلة’ تنتقل إلى منافذ أخرى، ما يعني عملياً تآكل الإيراد العام وتضخم فجوة العجز وصعوبة تمويل الخدمات الأساسية”.
وطالب ناشطون وخبراء بضرورة حماية الموظفين الملتزمين بالقانون، وربط كل منفذ إيرادي بنظام رقابة إلكتروني مركزي، مع إعلان دوري شفاف عن المتحصلات والتحويلات لحساب البنك المركزي.
وتشير مصادر مالية إلى أن هذه الواقعة قد تكون مؤشراً على تصاعد نزاع بين السلطات المحلية والحكومة المركزية حول السيطرة على الموارد، خصوصاً في المنافذ الحدودية التي تمثل شرياناً مالياً حيوياً للدولة.
ويرى مراقبون أن استمرار الانقسامات سيؤدي إلى تآكل الثقة في مؤسسات الدولة وإضعاف قدرتها على إدارة الموارد وسط ظروف اقتصادية خانقة.
ويختتم مدير جمرك شحن مذكرته بالتأكيد أن الموظفين “لن يخضعوا للابتزاز أو التهديد”، وأنهم ماضون في تطبيق القانون وقرارات الحكومة، مطالباً بحماية الكادر الجمركي من أي ضغوط سياسية أو مناطقية لما لذلك من أثر مباشر على وحدة النظام المالي للدولة.
توضيح رسمي من السلطة المحلية في المهرة
أوضح السكرتير الإعلامي لمحافظ المهرة، أبوبكر عمر بن الشيخ أبوبكر، في بيان توضيحي رصده “بقش”، أن ما ورد في مذكرة مدير جمرك شحن حول “تهديد الطواقم العاملة في المنفذ” غير صحيح إطلاقاً ولا يمتّ للواقع بصلة.
وأكد أن التنسيق القائم مع رئاسة مجلس الوزراء يهدف إلى تنظيم التوريد والنفقات بشكل متوازن ومدروس، بما يمنع أعباءً جديدة على الخدمات، ويضمن إدارة شفافة ومنضبطة للإيرادات وفق توجيهات الحكومة ولمصلحة الجميع.
وأضاف البيان أن اللجنة التي زارت المنفذ كانت بتوجيه من المجلس المحلي وموافقة المكتب التنفيذي، وبالتنسيق الكامل مع رئاسة الوزراء ومدير الجمرك نفسه، وأنها أدت مهامها “بكل هدوء واحترام للنظام وبحضور الجهات الأمنية والرسمية”.
وأوضح البيان أن السلطة المحلية في المهرة مستمرة في خطواتها لتنظيم الإيرادات وتصحيح الوضع القائم، وإنهاء التصرفات الفردية في التوريد، بما يخدم المصلحة العامة ويضمن استمرار الخدمات الأساسية للمواطنين، مؤكداً أن المحافظة “تبارك الإصلاحات الحكومية الهادفة إلى حل الالتزامات المالية المتراكمة وتحسين كفاءة الإنفاق”.
وشدد التوضيح على أن عملية التوريد تتم بالتنسيق مع رئيس الوزراء، كما هو الحال في باقي المحافظات التي لا تزال في طور التنسيق المالي مع الحكومة المركزية، وذلك لضمان تمويل القطاعات الخدمية كالكهرباء والمياه والصحة والتعليم، وسداد التزامات السلطات المحلية تجاه العاملين والمتعاقدين.
وختم البيان بدعوة وسائل الإعلام إلى تحرّي الدقة وتجنب الانجرار خلف الشائعات أو حملات التضليل، مؤكداً أن “المهرة أكبر من كل محاولات التشويه، وستظل نموذجاً في الاستقرار والعمل المؤسسي والمسؤولية”.


