صرف راتب واحد من أصل أربعة أشهر متأخرة.. خيبة أمل بالإصلاحات الاقتصادية لحكومة عدن

الاقتصاد اليمني | بقش
بعد أشهر من الانتظار، وبعد أيام من التعهد الحكومي بصرف الرواتب المتأخرة، فوجئ الموظفون الحكوميون، مدنيين وعسكريين في مناطق حكومة عدن، بصرف راتب شهر واحد فقط، رغم التأكيدات الحكومية السابقة على صرف المتأخرات وجدولتها، ما أثار حالة من الغضب والخيبة في أوساط الموظفين المدنيين والعسكريين الذين يترقبون منذ أشهر انفراجة حقيقية في أزمة الرواتب.
وفي 09 أكتوبر نشرت وكالة سبأ التابعة للحكومة، تصريحات لمصدر حكومي مسؤول اطلع عليها بقش، أعلن فيها عن بدء صرف المرتبات المتأخرة للقطاعين المدني والعسكري، دون توضيح ما إذا كان المقصود راتب شهر واحد أم أكثر.
هذه الصيغة المبهمة تركت الموظفين في حيرة، إذ فُهم من الإعلان أن الحكومة ستصرف ثلاثة أشهر متأخرة دفعة واحدة، مع الالتزام بتسديد الرواتب شهرياً في مواعيدها مستقبلاً، علماً بأن الرواتب المتأخرة وصلت إلى أربعة أشهر.
ما حدث فعلياً هو صرف راتب شهر واحد فقط، هو شهر يونيو للعسكريين ويوليو للمدنيين، وفق متابعة بقش لعملية صرف الرواتب التي تجري حالياً عبر البنوك، ومنها بنك القطيبي وبنك الشمول وبنك عدن الإسلامي.
بينما ظلت الرواتب الأخرى الموعودة عالقة، لتتحول الوعود إلى صدمة لدى كثير من العاملين الذين وصفوا المشهد بأنه مجرد استهلاك إعلامي، ويصل إلى مناكفة سياسية على حساب حقوق الناس.
وهناك غموض في آلية الصرف صاحبه استياء شعبي واسع، فقد أبدى عدد من الموظفين والجنود استياءهم من توقيت إعلان الصرف في آخر ساعات الدوام الحكومي يوم الخميس الماضي، مؤكدين أن كثيراً من الوحدات العسكرية لم تتسلّم أي مبالغ حتى اليوم التالي.
ولم يتلقَّ المندوبون الماليون أي معلومات مؤكدة بشأن صرف راتب يوليو أو الأشهر اللاحقة للعسكريين، في ظل تغييرات إجرائية داخل وزارة المالية تتعلق بآلية تسليم الشيكات وصرفها عبر البنك المركزي.
صراع المصالح
المحلل الاقتصادي ماجد الداعري، رئيس تحرير صحيفة مراقبون برس، قال إن ما حدث لا يُعد مجرد خلل إداري، بل نتيجة مباشرة لصراعات داخلية في أروقة الحكومة والبنك المركزي.
وأشار إلى أن الاتفاق الحكومي الأصلي كان يقضي بصرف راتب شهرين كدفعة أولى لكل الموظفين المدنيين والعسكريين، مع جدولة الراتبين المتبقيين على الأشهر المقبلة، وأن السيولة اللازمة للصرف متوفرة بالفعل من نفس المصدر الذي صُرف منه راتب الشهر الأول.
لكن بحسب الداعري، تعمّدت بعض الأطراف داخل المنظومة الحكومية عرقلة التنفيذ الكامل للاتفاق “لإحراج رئيس الحكومة الذي نجح مؤخراً في انتزاع صلاحيات واسعة من مجلس القيادة الرئاسي وبدأ خطوات إصلاحية تهدد مصالح قوى الفساد” حد قوله. واعتبر أن هذا التعطيل يمثل “محاولة سياسية لإظهار الحكومة بمظهر العاجز عن تحقيق أي إنجاز”، رغم توافر الإمكانات الفنية والمصرفية لصرف أكثر من راتب.
ووفقاً للخبير الاقتصادي أحمد الحمادي، في تعليق لـ”بقش”، فإن ذلك يفتح باباً للحديث عن “تسييس ملف الرواتب”، إذ يوحي ذلك بأن الأمر لا يعكس نقصاً في السيولة، بل وجودَ صراع نفوذ في أوساط الحكومة، حيث تتعمد بعض القوى تعطيل صرف الرواتب وإظهار رئيس الوزراء بمظهر الفاشل، وهذا الطرح يعكس عمق الخلافات داخل بنية السلطة الشرعية، ويشير إلى أن الملفات المعيشية تحوّلت إلى أدوات ضغط متبادلة.
والحديثُ عن اتفاق نهائي بين الحكومة ووزارة المالية والبنك المركزي لصرف شهرين كدفعة أولى لكافة الموظفين، يشير إلى أن التأخير ليس تقنياً بل متعمّد، وإذا صحت هذه المعلومة، فهي تكشف عن خلل في منظومة القرار، وعن ضعف التنسيق بين المكونات الحكومية. وكل ذلك يعبر عن احتقان سياسي وتوتر داخل مراكز القرار وفقاً للحمادي.
ويُجمع المراقبون على أن صرف راتب شهر واحد فقط بعد أشهر من التأجيل يبعث برسالة سلبية للموظفين والشارع، ويؤكد هشاشة المنظومة المالية والإدارية في عدن، كما أنه يعمّق حالة فقدان الثقة بين المواطنين والحكومة، خصوصاً مع تزايد معاناة الأسر التي تراكمت عليها الديون والالتزامات في ظل انهيار الخدمات وغلاء المعيشة.
ويُنظر إلى استمرار هذه الأزمة على أنه يقوّض محاولات الإصلاح الاقتصادي وضبط الاستقرار النقدي. وما بين الوعود الرسمية التي لم تكتمل، والصراعات السياسية التي لم تنتهِ، يجد موظفو اليمن أنفسهم مجدداً أمام واقع مأساوي، حيث تُدار حقوقهم الأساسية بالمناورات والبيانات الغامضة.
وحتى إشعار آخر، يبقى صرف راتب شهر واحد بعد أربعة أشهر من الانتظار، دليلاً جديداً على أن معركة الرواتب في اليمن لم تُحسم بعد، وأن ثقة الشارع في مؤسسات الدولة ما تزال على المحك.