الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

ضربة ثلاثية تقترب من الدولار… وبنوك عالمية تحذّر من أسوأ ديسمبر منذ عقد

الاقتصاد العالمي | بقش

يستعد الدولار لدخول واحدة من أكثر الفترات حساسية منذ سنوات، مع تحذيرات متتالية من بنوك عالمية تشير إلى احتمال تعرضه لضغوط متزامنة قد تُربك أسواق العملات قبل نهاية 2025. فمع اقتراب صدور حكم المحكمة العليا حول شرعية الرسوم الجمركية التي اعتمد عليها الرئيس دونالد ترامب في هندسة سياساته التجارية، تزداد المخاوف من فقدان ركيزة محورية من ركائز الحمائية الأمريكية التي دعمت العملة خلال العامين الماضيين.

وتأتي هذه المخاوف بالتوازي مع توقعات قوية بإجراء تعديل في قيادة الاحتياطي الفيدرالي، بعد أن لمح ترامب إلى احتمال اختيار مستشاره الاقتصادي البارز كيفن هاسيت لرئاسة البنك المركزي. ويُنظر إلى هاسيت في وول ستريت بوصفه أحد أكثر الأصوات المدافعة عن تخفيضات حادة في أسعار الفائدة، ما يعني اتجاهاً أكثر ليونة في السياسة النقدية، وبالتالي ضغوطاً إضافية على الدولار.

وفي المشهد الآسيوي، يتقدم الين الياباني نحو موجة صعود محتملة وسط توقعات متزايدة برفع الفائدة في طوكيو لأول مرة منذ أشهر، ما يجعل العملات الآسيوية في وضع معاكس للدولار خلال ديسمبر، الشهر الذي يعد تاريخياً الأضعف للأخضر.

وترى قراءة بقش أن اجتماع هذه العوامل الثلاثة —رسوم ترامب، قيادة الفيدرالي، ورفع الفائدة في اليابان— قد يدفع المستثمرين إلى إعادة تسعير المخاطر بسرعة، ويُضعف موقع الدولار في لحظة يصبح فيها أكثر هشاشة أمام التغيرات الحادة في السياسة النقدية والتجارية.

تهديد مباشر لسياسات الرسوم الجمركية

تترقب الأسواق قرار المحكمة العليا الأمريكية بشأن قانونية الرسوم الجمركية التي تبناها ترامب خلال السنوات الماضية. ويحذر محللو “ستاندرد بنك” من أن إلغاء هذه الرسوم سيشكل “ضربة أولى” للدولار، إذ تفقد السياسة التجارية أحد أعمدتها الأساسية وتُعاد معايرة تدفقات التجارة العالمية على أساس جديد.

ويرى الاقتصاديون أن أي حكم يبطل الرسوم سيعني فعلياً خسارة أدوات ضغط اعتمدت عليها الإدارة الأمريكية لإعادة صياغة العلاقات التجارية، ما قد ينعكس على ميزان المدفوعات ويقلص تدفقات رؤوس الأموال إلى الدولار. وفي أسواق العملات، سيكون رد الفعل سريعاً، لأن المستثمرين سعّروا بالفعل جزءاً من فوائد الحمائية طوال العام.

وتشير بيانات بلومبرغ إلى أن المؤسسات المالية تنظر إلى هذه القضية بوصفها ذات تأثير منهجي، لا لأنها تلغي جباية مالية، بل لأنها تعيد توزيع ميزان القوة في سلاسل الإمداد، وهو ما يضغط على العملة الأمريكية في بيئة تتسم أصلاً بتوترات سياسية واقتصادية قبيل عام انتخابي.

وترى قراءة بقش أن الحكم —أياً كان— سيترك أثراً واسعاً، لكن إلغاء الرسوم تحديداً سيطلق موجة تصحيح في الدولار قد تستمر حتى الربع الثاني من 2026.

هاسيت والاحتياطي الفيدرالي… تغيير القيادة وتغيير الاتجاه

يمثل احتمال تولي كيفن هاسيت رئاسة الاحتياطي الفيدرالي “الضربة الثانية” المحتملة للدولار. فهاسيت، المعروف بميله إلى سياسة نقدية أكثر تيسيراً، يُعد في نظر المستثمرين تحولاً واضحاً عن النهج الأكثر تشدداً للفيدرالي في السنوات الماضية.

ويرى “راسل إنفستمنتس” أن مجرد طرح اسمه يكفي لإعادة رسم توقعات الفائدة لعام 2026، لأن الأسواق تدرك أن هاسيت قد يدفع باتجاه خفض سريع للفائدة لدعم النمو المحلي، وهو ما يعني —بالمعايير النقدية— إضعافاً مباشراً لقوة الدولار مقابل العملات الرئيسية.

كما يخشى المستثمرون أن يؤدي تغيير القيادة إلى زيادة عدم اليقين بشأن استقلالية البنك المركزي، خصوصاً أن ترامب كان ينتقد الفيدرالي باستمرار، ويضغط لخفض الفائدة بوتيرة أسرع. ويضيف محللون أن الأسواق تتفاعل عادةً مع “النبرة السياسية” قبل القرارات الرسمية، وهو ما يجعل الدولار عرضة لتراجعات استباقية.

وترى قراءة بقش أن أي إشارة رسمية لترشيح هاسيت ستدفع المتعاملين إلى الخروج من مراكز الشراء على الدولار، ورفع رهاناتهم على اليورو والين والفرنك، مع توسع الفجوة في توقعات الفائدة بين الولايات المتحدة وبقية الاقتصادات الكبرى.

اليابان تقترب من رفع الفائدة والين يستعد للقفز

يُجمع محللو “دويتشه بنك” و”ستاندرد بنك” على أن الين بات على أعتاب ارتفاع قد يتجاوز 10% إذا رفع بنك اليابان الفائدة هذا الشهر. ويرى المتابعون أن اليابان أعطت أقوى إشارة منذ سنوات إلى استعدادها لإنهاء سياسة التيسير الممتدة، ما يجعلها تتحرك عكس اتجاه السياسة النقدية الأمريكية.

وترصد الأسواق احتمال رفع الفائدة بـ 25 نقطة أساس مع تسعير احتمالية تتجاوز 80%، وهو ما يجعل المستثمرين يعيدون ترتيب محافظهم تحسباً لارتفاع الين. ويُعد هذا العامل “الضربة الثالثة” للدولار، إذ تتجه الأموال نحو عملات ملاذ آمن في نهاية العام، خاصة في ظل ضعف السيولة الموسمي.

وقد أظهر الدولار بالفعل علامات هشاشة أمام الين، حيث سجلت العملة اليابانية قفزات محدودة خلال الأسابيع الماضية على أساس توقعات التشديد، فيما يرى اقتصاديون أن أي قرار رسمي من بنك اليابان سيطلق موجة شراء فورية قد تضغط على مؤشر الدولار العالمي.

وتشير قراءة بقش إلى أن التحول في السياسة اليابانية ليس حدثاً فنياً، بل تغييراً في موقع الين داخل معادلة العملات العالمية، مما يضيف مزيداً من الضغوط على العملة الأمريكية في توقيت حساس.

الشهر الأكثر صعوبة للدولار منذ عقد

على مدى السنوات العشر الأخيرة، كان ديسمبر —بحسب “دويتشه بنك”— الشهر الأضعف للدولار، إذ يعمد المستثمرون إلى إغلاق مراكزهم لجني الأرباح قبل نهاية العام. وفي 2025، يبدو المشهد أكثر تعقيداً، لأن عوامل الخروج الموسمية تتزامن مع ضغوط سياسية ونقدية غير مألوفة.

وتشير تقديرات البنك إلى إمكانية تراجع الدولار بنحو 2% مقارنة بمستوياته الحالية، وهو ما يعيد العملة إلى مستويات الربع الثالث من العام. ويعود ذلك إلى أن شهية المخاطرة ترتفع عادة مع بداية العام الجديد، ما يجعل المتعاملين يفضلون العملات ذات العوائد المستقبلية الأفضل، مثل الين واليورو.

كما تعرض مؤشر “بلومبرغ للدولار الفوري” لضغوط محدودة خلال الأشهر الأخيرة، رغم تسجيله مكاسب بنحو 1.5% في الربع الجاري. ويرى المحللون أن هذه المكاسب هشة وقابلة للتصحيح بمجرد اتضاح اتجاه السياسة النقدية الأمريكية واليابانية.

وترى قراءة بقش أن اجتماع الضغوط الموسمية مع الضغوط السياسية والاقتصادية يرفع احتمال أن يشهد ديسمبر تقلبات غير معتادة، خاصة إذا تزامن قرار المحكمة العليا مع تحركات مفاجئة من بنك اليابان.

تواجه العملة الأمريكية ثلاثة مسارات ضغط متداخلة: حكم قضائي قد يطيح بركيزة تجارية اعتمدت عليها الولايات المتحدة خلال عهد ترامب، واحتمال تغيير جذري في قيادة الفيدرالي باتجاه أكثر حمائي وتحول تاريخي في السياسة النقدية اليابانية قد يعيد الين إلى موقع القوة.

وترى قراءة بقش أن هذه العوامل —إذا اجتمعت— لن تؤثر على تداولات ديسمبر فقط، بل قد تعيد تشكيل المشهد النقدي في 2026، وتدفع الأسواق إلى الدخول في مرحلة إعادة تسعير طويلة لجميع الأصول المرتبطة بالدولار.

ومع اقتراب نهاية العام، يصبح السؤال الحاسم أمام المستثمرين: هل ستكون هذه الضغوط الثلاثية مجرد موجة عابرة في سوق العملات… أم بداية دورة ضعف أطول للدولار في مرحلة سياسية واقتصادية شديدة الاضطراب؟.

زر الذهاب إلى الأعلى