أخبار الشحن
أخر الأخبار

عاصفة تهدد شرايين التجارة العالمية: الشحن البحري في قلب الحرب التجارية

تتجه أنظار صناعة الشحن البحري العالمية بقلق بالغ نحو واشنطن، حيث تمثل أحدث جبهات الحرب التجارية التي تقودها إدارة الرئيس “دونالد ترامب” ضد الصين تهديداً مباشراً لعمالقة نقل البضائع حول العالم.

يكشف التوجه الجديد عن سعي البيت الأبيض لفرض رسوم ضخمة، قد تصل إلى مليون دولار لكل زيارة، على أي سفينة تدخل الموانئ الأمريكية إذا كانت تُدار بواسطة شركة صينية أو تم بناؤها في أحواض بناء السفن الصينية.

هذه الخطوة، التي يصفها مراقبون بأنها تصعيدية، لا تستهدف فقط معاقبة مشغلي الأساطيل الصينيين، بل تحمل أيضاً هدفاً معلناً يتمثل في محاولة إنعاش قطاع بناء السفن الأمريكي الذي شهد تراجعاً كبيراً على مدى العقود الماضية أمام المنافسة الآسيوية الشرسة.

لكن التأثير الفعلي لهذا الإجراء، إن تم تطبيقه، سيمتد ليحدث هزات عنيفة تتجاوز بكثير الشركات الصينية. فالسفن الصينية الصنع تشكل مكوناً رئيسياً في الأساطيل الحالية والطلبيات المستقبلية لأكبر خطوط الشحن العالمية، بما في ذلك عمالقة مثل “إم إس سي” (MSC) السويسرية الإيطالية و”إيه بي مولر-ميرسك” (A.P. Moller-Maersk) الدنماركية.

وفي متابعات مرصد “بقش” لآراء كبار خبراء الشحن الدوليين، يقول “بيتر ساند”، كبير المحللين في منصة “زينيتا” (Xeneta) المتخصصة بتحليلات الشحن البحري ومقرها أوسلو: “نتوقع أن يمضي هذا الإجراء قدماً، ربما مع بعض التعديلات، لكن الرسوم ستُفرض في نهاية المطاف”.

ويضيف ساند أن هذا سيفرض على شركات الشحن “إعادة هيكلة محتملة وكبيرة لشبكاتها التشغيلية، وهو ما يحمل بطبيعة الحال تكاليف إضافية باهظة”.

وفي بيانات شركة “ألفالاينر” (Alphaliner) المتخصصة في تحليل بيانات الشحن، والتي اطلع عليها فريق المرصد الاقتصادي “بقش”، يظهر أن حوالي ربع الأسطول الحالي لكل من “إم إس سي” و”ميرسك” تم بناؤه في الصين.

والأخطر من ذلك، أن الغالبية العظمى من طلباتهما المستقبلية لبناء سفن جديدة تتركز في أحواض البناء الصينية العملاقة – حوالي 90% من طلبات “إم إس سي – MSC” وأكثر من 70% من طلبات “ميرسك”، وهذا الاعتماد الكبير يجعل هذه الشركات عرضة لتكاليف هائلة بموجب الرسوم المقترحة.

تقلبات في بحار التجارة العالمية: مؤشر الحاويات يشهد انخفاضاً ملحوظاً

وعلى الرغم من هذه المخاطر المتزايدة، يبدو أن استراتيجيات بناء الأساطيل لم تتغير جذرياً بعد. حيث رصد “بقش” تصريحاً لـ “مايل باب ليوستيك”، المحلل في شركة “ألفالاينر”، أكد فيه لوكالة بلومبيرغ بأن: “شركات الشحن لم توقف طلباتها على السفن الصينية”.

ويشير إلى أن شركات كبرى مثل “إم إس سي”، و”سي إم إيه سي جي إم” (CMA CGM) الفرنسية، و”إيفرغرين” (Evergreen) التايوانية، قدمت طلبات جديدة لبناء سفن حاويات عملاقة من طراز “ميغا ماكس” في الصين خلال شهري فبراير ومارس الماضيين.

ومع ذلك، فإن حالة عدم اليقين المحيطة بالتفاصيل النهائية للرسوم الأمريكية وتوقيت تطبيقها دفعت بعض الشركات بالفعل إلى اتخاذ خطوات احترازية. فقد بدأت عدة خطوط شحن في إعادة توجيه سفنها المصنوعة في الصين بعيداً عن المسارات التجارية التي تربط آسيا بالموانئ الأمريكية، في محاولة استباقية لتقليل انكشافها المالي المحتمل. ويحذر ساند من أن لجوء الشركات إلى تقليل عدد مرات رسوها في الموانئ الأمريكية لتجنب الرسوم قد يؤدي إلى اختناقات لوجستية وزيادة في تكاليف الشحن الإجمالية، مما يؤثر على سلاسل الإمداد بأكملها.

تداعيات تتجاوز شركات الشحن، والحلم الأمريكي يبدو بعيد المنال

لن تقتصر تداعيات هذه الرسوم المحتملة على شركات الشحن وحدها، فالزيادة في التكاليف التشغيلية، سواء من دفع الرسوم المباشرة أو من تعقيدات إعادة توجيه السفن وتعديل الشبكات، من المرجح أن تنتقل عبر سلسلة التوريد.

في نهاية المطاف، قد يواجه المستهلكون في الولايات المتحدة، وربما في أسواق أخرى مترابطة، ارتفاعاً في أسعار مجموعة واسعة من السلع المستوردة التي تنقلها هذه السفن، مما يضيف ضغوطاً تضخمية جديدة على الاقتصادات.

في حين يُطرح تحفيز صناعة بناء السفن المحلية كأحد أهداف هذه السياسة، فإن إعادة إحياء القطاع الأمريكي لمنافسة أحواض البناء الآسيوية العملاقة في بناء سفن الحاويات الحديثة يمثل تحدياً هائلاً.

فعقود من التراجع تركت فجوات في البنية التحتية، والعمالة الماهرة، وسلاسل التوريد المتخصصة. إعادة بناء هذه القدرات يتطلب استثمارات ضخمة وطويلة الأجل ودعماً سياسياً مستمراً، مما يجعل توفير بديل محلي سريع للسفن المطلوبة أمراً غير مرجح على المدى القريب.

خيارات شركات الشحن الكبرى في مواجهة العاصفة

يجب النظر إلى هذا الإجراء المقترح ضد السفن المرتبطة بالصين ليس كخطوة معزولة، بل كحلقة جديدة في سلسلة الاستهداف الاقتصادي المتصاعد لبكين من قبل إدارة ترامب.

فهو يأتي مكملاً للرسوم الجمركية المفروضة بالفعل على سلع بمليارات الدولارات ويتسق مع الاستراتيجية الأوسع للضغط على الحلفاء والشركات العالمية لتقليل الاعتماد الاقتصادي على الصين. استهداف البنية التحتية اللوجستية البحرية يمثل تعميقًا وتوسيعًا للصراع التجاري إلى مجالات تشغيلية جديدة وحيوية.

تواجه شركات الشحن الآن سيناريوهات معقدة تتطلب قرارات استراتيجية صعبة. بالإضافة إلى إعادة توجيه السفن، قد تلجأ الشركات إلى استكشاف خيارات أخرى مثل تحسين نشر أسطولها لاستخدام السفن غير الصينية الصنع بشكل أساسي على الطرق الحيوية المؤدية إلى الولايات المتحدة، حتى لو عنى ذلك قبول معدلات استخدام أقل لبعض الأصول.

على المدى الطويل، قد يكون تنويع مصادر بناء السفن المستقبلية عبر دول مختلفة خياراً، على الرغم من أن القدرة التنافسية من حيث التكلفة والكفاءة خارج الصين تظل عاملاً رئيسياً في اتخاذ مثل هذه القرارات الاستثمارية الضخمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش