عجز الموازنة الأمريكية يتجاوز التوقعات: زيادة تريليون دولار خلال العقد المقبل

الاقتصاد العالمي | بقش
كشفت لجنة الميزانية الفدرالية المسؤولة أن عجز الموازنة الأمريكية سيتجاوز تقديرات مكتب الميزانية بالكونغرس بنحو تريليون دولار خلال الفترة من 2026 حتى 2035، ليصل إلى 22.7 تريليون دولار بدلاً من 21.8 تريليون دولار.
وتعود هذه الفجوة إلى حزم إنفاق وضريبية جديدة أقرتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، إلى جانب الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات.
حسب التقديرات التي طالعها مرصد “بقش”، سيبلغ عجز 2025 نحو 1.7 تريليون دولار (5.6% من الناتج المحلي الإجمالي)، منخفضاً قليلاً عن مستوى 2024 (1.83 تريليون دولار). لكن المسار طويل الأمد ينذر بالتصاعد ليصل إلى 2.6 تريليون دولار أو 5.9% من الناتج المحلي بحلول 2035.
وفي خطوة لافتة، أعلن مكتب الميزانية بالكونغرس أنه لن يصدر تحديث منتصف العام هذه المرة، ما أثار تساؤلات حول خلفيات القرار، خصوصاً في ظل تصاعد الجدل حول السياسة المالية لإدارة ترامب.
“القانون الكبير والجميل”: ضريبة على الاستقرار المالي
تشير تقديرات اللجنة إلى أن قانون ترامب الجديد المعروف باسم “One Big Beautiful Bill” سيضيف 4.6 تريليون دولار إلى العجز حتى 2035، متجاوزاً تقدير مكتب الكونغرس البالغ 4.1 تريليون دولار حتى 2034 وفق اطلاع بقش.
لكن في المقابل، من المتوقع أن توفر التعريفات الجمركية الجديدة إيرادات إضافية تبلغ 3.4 تريليون دولار خلال العقد، ما يعكس استراتيجية البيت الأبيض في استخدام الرسوم التجارية كأداة لتعويض الخسائر المالية.
إلى جانب القيود المفروضة على التأمين الصحي، والتي ستخفض العجز بنحو 100 مليار دولار، تراهن إدارة ترامب على تقليص الدعم الخارجي والبث العام، في خطوة قد توفر مئة مليار أخرى.
هذه السياسات تُقرأ في سياق أوسع من تراجع دور الولايات المتحدة في التمويل الدولي، وتفضيل الإدارة التركيز على الداخل الأمريكي، ما يعكس توجهاً “انعزالياً” يثير قلق حلفاء واشنطن.
تكلفة الدين: الفوائد تلتهم الموازنة
أبرز ما يقلق الاقتصاديين هو تضخم مدفوعات الفوائد، إذ يُتوقع أن تقفز من تريليون دولار (3.2% من الناتج المحلي) عام 2025 إلى 1.8 تريليون دولار (4.1%) بحلول 2035، لتصل الكلفة الإجمالية للفوائد وحدها إلى نحو 14 تريليون دولار.
هذا المسار قد يضعف قدرة واشنطن على الاستثمار داخلياً، ويزيد هشاشتها في مواجهة تقلبات الأسواق العالمية. وفي حال إلغاء جزء من التعريفات الجديدة بفعل أحكام قضائية، قد تخسر الخزانة الأمريكية 2.4 تريليون دولار من الإيرادات. كما أن تمديد التخفيضات الضريبية المؤقتة قد يضيف 1.7 تريليون دولار إلى العجز.
وإذا استمرت أسعار الفائدة الأمريكية عند مستوياتها الحالية (4.3%) بدلاً من توقعات مكتب الميزانية (3.8%)، فإن تكلفة خدمة الدين سترتفع بنحو 1.6 تريليون دولار إضافية حتى 2035.
دين عام عند مستويات قياسية
تشير التوقعات إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ستقفز من 118% في تقدير مكتب الكونغرس إلى 120% في السيناريو الأساسي للجنة الميزانية، وقد تصل إلى 134% في السيناريو البديل، وهو مستوى تاريخي غير مسبوق.
ولم تكن أزمة العجز الحالية الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، فقد شهدت البلاد محطات مشابهة تركت بصماتها على المالية العامة. ففي ثمانينيات القرن الماضي، وأثناء إدارة الرئيس رونالد ريغان، أدى مزيج التخفيضات الضريبية الضخمة والإنفاق العسكري المتوسع إلى تضخم العجز وارتفاع الدين لمستويات غير مسبوقة آنذاك.
وبعد ذلك بثلاثة عقود تقريباً، ومع اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008، ضخت واشنطن مئات المليارات في خطط إنقاذ البنوك والأسواق، الأمر الذي فاقم العجز بشكل حاد، وإن كان التعافي الاقتصادي اللاحق قد ساعد في احتواء جزء من تداعياته.
أما خلال جائحة كورونا بين عامي 2020 و2021، فقد واجهت الموازنة الأمريكية أكبر قفزة في تاريخها الحديث بعدما تجاوز العجز ثلاثة تريليونات دولار في عام واحد نتيجة حزم التحفيز الطارئة لمواجهة الإغلاق الشامل.
ومع أن التجارب السابقة أظهرت قدرة الاقتصاد الأمريكي على امتصاص الصدمات مع مرور الوقت، إلا أن التحدي الحالي يبدو أكثر تعقيداً، لأنه يتزامن مع تباطؤ عالمي وارتفاع طويل الأمد في أسعار الفائدة حسب قراءات بقش، ما يجعل السيطرة على العجز مهمة شديدة الصعوبة.
لكن الفارق اليوم أن العجز يتراكم في ظل اقتصاد يعاني تباطؤاً عالمياً وارتفاعاً طويل الأمد في أسعار الفائدة، ما يجعل آفاق السيطرة عليه أكثر صعوبة مقارنة بالماضي.
انعكاسات دولية: ضغوط على الأسواق والاقتصاد العالمي
تصاعد العجز الأمريكي لا يُعد شأناً داخلياً فحسب، بل ينعكس على أسواق المال العالمية عبر ارتفاع عوائد السندات الأمريكية، مما قد يرفع كلفة الاقتراض على الاقتصادات الناشئة ويزيد الضغط على العملات في الدول المرتبطة بالدولار.
كما أن سياسة الرسوم الجمركية الأمريكية تضع شركاءها التجاريين أمام خيارات صعبة، بين القبول بشروط واشنطن أو المخاطرة بخسائر أوسع في أسواقها.
تواجه الولايات المتحدة عقداً مالياً بالغ الصعوبة، حيث تتصاعد الضغوط بين التزامات إنفاق ضخمة وعوائد غير مستقرة، في وقت تزداد فيه هشاشة الاقتصاد العالمي. ومع غياب رؤية متماسكة لخفض العجز أو احتواء الدين العام، فإن الموازنة الأمريكية مرشحة لأن تكون محور أزمات داخلية وصراعات تجارية ودبلوماسية على الصعيد الدولي.