الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

علامة استفهام في القرار الرئاسي.. لماذا تم استثناء ميناء المخا من “إغلاق الموانئ المستحدثة”؟

الاقتصاد اليمني | بقش

علامة استفهام كبيرة يطرحها قرار المجلس الرئاسي رقم (11) لعام 2025، بشأن تنفيذ خطة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة المرتبطة بتوحيد الإيرادات، إذ تضمَّن القرار إغلاق أربعة موانئ بحرية وُصفت بـ”المستحدَثة” في محافظات “شبوة، حضرموت، المهرة ولحج”، ضمن إجراءات تهدف إلى ضبط الموارد وتنظيم المنافذ، لكن تم استثناء ميناء “المخا” من القرار، رغم ممارسته أنشطةً تجارية مشابهة لتلك التي أُغلقت من أجلها الموانئ الأخرى.

ويبدو أن قرار الإصلاحات الاقتصادية قد تجاوز البعد الاقتصادي، ليتقاطع مع حسابات سياسية وأمنية عميقة، خصوصاً في ظل النفوذ الإماراتي المتزايد على الساحل الغربي، ودعم الإمارات لقوات العميد طارق صالح المسيطرة على مدينة المخا.

إصلاح اقتصادي أم إدارة سياسية؟

أعلنت حكومة عدن، ضمن خطتها لإصلاح المالية العامة وتوحيد الإيرادات، إغلاق أربعة موانئ مستحدثة هي ميناء “قنا” في شبوة، وميناء الشحر في حضرموت، وميناء “نشطون” في المهرة، وميناء “رأس العارة” بلحج، مبررةً الإغلاق بأنها موانئ “مخالفة للقوانين المنظمة للاستيراد والرقابة الجمركية”.

ووفقاً للبيان الرسمي الذي اطلع عليه مرصد “بقش”، والذي يُفترض البدء بتنفيذه اعتباراً من 28 أكتوبر 2025، فإن إغلاق الموانئ الأربعة يهدف إلى ضبط الإيرادات العامة ومنع التهرب الجمركي، وتوحيد الإجراءات المالية تحت إشراف وزارة النقل والجمارك، وتعزيز الموارد السيادية المنهارة بسبب الانقسام المالي وتعدد مراكز السلطة.

لكن استثناء ميناء المخا من القرار، رغم أنه يمارس أنشطة مماثلة، فتح المجال أمام تساؤلات حادة حول دوافع هذا الاستثناء، وما إذا كانت الاعتبارات الاقتصادية وحدها هي التي حكمت الموقف الحكومي.

ويقع ميناء المخا على الساحل الغربي، ويُعد من أقدم الموانئ التاريخية في الجزيرة العربية، وخلال الحرب أصبح الميناء تحت سيطرة قوات طارق صالح المدعوم مباشرة من دولة الإمارات. وبعد توقف طويل، ومنذ منتصف عام 2024، استقبل الميناء شحنات وقود وبضائع دون إشراف كامل من وزارة النقل أو مصلحة الجمارك، وفقاً لمعلومات حصل عليها بقش.

مع ذلك، لم يُدرج الميناء ضمن الموانئ المشمولة بقرار الإغلاق، وهو ما يثير تساؤلات حول تأثير النفوذ الإماراتي ونفوذ العميد طارق صالح في المجلس الرئاسي في صياغة القرار.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن الاستثناء ربما جاء بضغوط إماراتية، خصوصاً أن أبوظبي تعتبر ميناء المخا مركزاً استراتيجياً لعملياتها البحرية على البحر الأحمر، ومعبراً رئيسياً لدعم قوات طارق صالح بالمعدات والآليات التي تصل من الإمارات.

الموانئ المغلقة: جغرافيا الحرمان الاقتصادي

أول الموانئ المقرر إغلاقها، هو ميناء قنا بمحافظة شبوة، الذي يستقبل شحنات نفط ومواد غذائية، وبات يُعد من شرايين المحافظة الاقتصادية، ومن أبرز مراكز الإيرادات المحلية، ويشار إلى إغلاقه بأنه مقدمة لخسارة شبوة مورداً مالياً مهماً.

مدير مكتب الإعلام بمحافظة شبوة، حسين سالم الرفاعي، احتجَّ على القرار الرئاسي، ونفى أن يكون ميناء قنا مستحدثاً أو مخالفاً، واستند إلى قرارات حكومية رسمية صادرة عن مجلس الوزراء، في خطوةٍ توحي بأن صراعاً حول أهلية الموانئ قد بدأ.

وقال الرفاعي في تغريدة طالعها بقش إن ميناء قنا التجاري لا يُعد من المنافذ المستحدثة، إذ تم إنشاؤه بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (4) لعام 2018 الصادر بتاريخ 11 يناير 2018، والذي نص صراحة على الموافقة على إنشاء الميناء التجاري بمنطقة المجدحة تحت اسم “ميناء قنا”، وتبعيته لمؤسسة موانئ البحر العربي اليمنية، مع تكليف الوزارات المعنية ومحافظ المحافظة باستكمال الإجراءات التنفيذية والتمويلية اللازمة.

وأكد الرفاعي على أن الوضع القانوني لميناء قنا التجاري مستمد من قرار حكومي نافذ وملزم، يشكل مرجعاً أساسياً لتنظيم التعامل معه، وبما يضمن توحيد المرجعية القانونية لمنافذ الدولة ومؤسساتها الاقتصادية، واتساق القرارات التنفيذية مع الأطر القانونية والإدارية المنظمة.

أما ميناء الشحر بمحافظة حضرموت، فرغم كونه ميناءً رسمياً قديماً، إلا أن بعض مرافقه استُخدمت بشكل مستقل من قبل سلطات محلية ومجموعات تجارية كما تشير التقارير. وقد يؤدي إغلاقه بحجة عدم التزامه بالإجراءات الموحدة إلى تعميق التوتر بين سلطات حضرموت والمركز في عدن.

وميناء “نشطون” في المهرة يُعتبر البوابة الشرقية لليمن، وقد يزيد إغلاقه الاعتماد التجاري على منافذ عدن والمكلا، ويحد من النشاط التجاري في المهرة، ما قد يثير استياءً محلياً واسعاً في المحافظة.

أما ميناء رأس العارة بلحج فهو مرفأ صغير أُنشى خلال السنوات الأخيرة لتسهيل التجارة المحلية، خاصة في نقل المشتقات النفطية. وتفيد تقارير تتبَّعها بقش بأن الميناء اكتسب أهمية تجارية، لكنه بات مركزاً لعمليات تهريب، ما أدى إلى توترات وصراعات على السيطرة عليه بين عدة جهات، بما في ذلك السلطات المحلية والفصائل المسلحة.

حتى الآن يُقدَّر أن إغلاق هذه الموانئ قد يؤدي إلى تراجع الإيرادات المحلية، خصوصاً في ظل رفض مسؤولي المحافظات مؤخراً توريد الإيرادات إلى بنك عدن المركزي بحجة عدم كفاية الإيرادات لتغطية النفقات المحلية داخل المحافظات.

وقد يعمّق إغلاقها شعور التهميش الاقتصادي في المحافظات، بينما يبقى ميناء المخا يعمل بحرية، وهو ما يُفسَّر محلياً كـ”تمييز سياسي” لصالح منطقة الساحل الغربي الخاضعة لنفوذ قوات طارق صالح.

استثناء المخا يقوض خطة الإصلاح الاقتصادي

اقتصادياً، يضرب هذا الاستثناء مبدأ العدالة في تطبيق الإصلاحات، ويقوّض جهود الحكومة في توحيد الإيرادات والسيطرة على المنافذ الجمركية، إذ يعبّر عن تناقض واضح في سياسات الدولة المالية.

فالخطة الحكومية تهدف إلى توحيد الموارد وتحسين الإيرادات في ظل أزمة السيولة، وتوريدها إلى الحساب العام للحكومة طرف بنك عدن المركزي، لكن استثناء ميناء المخا يضعف مصداقية هذه الخطة ويظهرها كأداة سياسية أكثر منها برنامجاً اقتصادياً وطنياً وفق مراقبين.

يعلق المحلل الاقتصادي أحمد الحمادي، في حديث لـ”بقش”، بقوله إن إبقاء الميناء خارج الرقابة الرسمية يعني استمرار تعدد مراكز الجباية وتدفق الإيرادات خارج الخزينة العامة، ما يقوّض أي إمكانية حقيقية لتحقيق الاستقرار المالي.

ويشير إلى أن ميناء المخا وفقاً للتقارير تحوّل إلى مركز لوجيستي رئيسي تديره القوات الإماراتية جزئياً، حيث يتم عبره تدفق الأسلحة والمعدات العسكرية المخصصة لقوات العميد طارق صالح، مضيفاً أن استثناء الميناء قد يكون جزءاً من تفاهمات غير معلنة بين الإمارات وأطراف داخل المجلس الرئاسي، تتيح استمرار نفوذها البحري والعسكري على الساحل الغربي، مقابل غضّ الطرف عن الأنشطة التجارية للميناء.

ويعكس قرار إغلاق الموانئ الموصوفة بـ”المستحدثة” رغبةَ الحكومة في فرض انضباط مالي، لكنه في الوقت ذاته يكشف حدود سلطتها الفعلية أمام النفوذ الإقليمي والمحلي.

فبينما تُغلق موانئ شبوة وحضرموت والمهرة ولحج بذريعة المخالفة، يظل ميناء المخا يعمل ككيان شبه مستقل، ما يكرّس منطق الازدواج المالي والسياسي ويهدد وحدة القرار الاقتصادي في البلاد.

نحو اقتصاد مجزأ وسيادة منقوصة

يُتوقع أن يؤدي استثناء ميناء المخا من قرار الإغلاق، إذا ما استمر، إلى ترسيخ واقع اقتصادي وسياسي مزدوج في اليمن، يُضعف سلطة الدولة المركزية ويمنح القوى العسكرية شبه المستقلة نفوذاً أوسع في إدارة الموارد والتجارة.

ففي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى توحيد الإيرادات، سيصبح المخا بمثابة نموذجٍ موازٍ للاقتصاد الرسمي، تُدار من خلاله عمليات استيراد وتصدير وبيع وقود خارج الإشراف المالي للحكومة.

وعلى المستوى الاقتصادي، من المرجح أن يشجع هذا الوضع بقية القوى المحلية على المطالبة بموانئ أو منافذ خاصة بها، ما سيؤدي إلى انقسام المنظومة الجمركية وفقدان الثقة بالسياسات المركزية. كما سيحد من قدرة الحكومة على تحصيل الإيرادات السيادية الضرورية لدفع المرتبات وتمويل الخدمات، وهو ما قد يعمّق أزمة السيولة التي تعاني منها البلاد منذ سنوات.

أما على المستوى السياسي والعسكري، فإن استمرار النفوذ عبر ميناء المخا يعني تزايد استقلالية قوات العميد طارق صالح، وتوسع قدرتها على التمويل الذاتي واللوجستي، الأمر الذي يعيد رسم موازين القوة داخل المجلس الرئاسي نفسه، ويؤثر على تماسكه في المدى المتوسط.

كما يمنح الداعم الخليجي، الإمارات، ورقة ضغط استراتيجية في البحر الأحمر، تسمح لها بالتحكم غير المباشر في حركة التجارة والتموين نحو مناطق الساحل الغربي والداخل اليمني.

ويرى مراقبون اقتصاديون أنه في حال لم تُراجع الحكومة هذا الاستثناء ضمن إطار شفاف ومتكامل للإصلاحات، فإن البلاد قد تتجه نحو اقتصاد مفكك بشكل أكبر، تتعدد فيه السلطات الاقتصادية بتعدد القوى العسكرية، ما سيجعل أي إصلاح مالي أو إداري لاحق مجرد إجراء نظري بلا فعالية.

وفي المقابل، قد يكون إدماج ميناء المخا ضمن المنظومة الجمركية اختباراً حقيقياً لقدرة الحكومة على استعادة سيادتها المالية، وتأكيداً على أن الإصلاح ليس انتقائياً ولا خاضعاً للتوازنات الإقليمية.

زر الذهاب إلى الأعلى