منوعات
أخر الأخبار

فقاعة الذكاء الاصطناعي… هل ينهار استثمار بقيمة 3 تريليونات دولار؟

منوعات | بقش

منذ ظهور “شات جي بي تي” أواخر عام 2022، تبدّل المشهد التكنولوجي العالمي بصورة لم يتوقعها حتى أكثر المتفائلين. شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة، مثل مايكروسوفت وغوغل وأمازون، سارعت إلى ضخ مئات المليارات من الدولارات في سباق محموم على الذكاء الاصطناعي. وبحسب مجلة الإيكونوميست، فإن حجم الإنفاق على البنية التحتية – من مراكز بيانات، وخوادم، ورقائق معالجة متقدمة – بلغ نحو 400 مليار دولار خلال عام 2025 وحده.

لكن هذه الأرقام لا تمثل سوى جزء من المشهد الأوسع. محللون يقدّرون أن إجمالي الإنفاق العالمي على مراكز البيانات سيصل إلى 3 تريليونات دولار بحلول 2028 وفق اطلاع مرصد بقش، لتصبح طفرة الذكاء الاصطناعي واحدة من أضخم موجات الاستثمار في التاريخ الحديث، وربما تضاهي في حجمها طفرة السكك الحديدية في القرن التاسع عشر أو فقاعة الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي. ومع ذلك، يظل السؤال الكبير: ماذا لو انهارت هذه الفقاعة ولم تحقق التقنية وعودها المبهرة؟

الحماسة الحالية ترتبط بمفهوم “الذكاء الاصطناعي العام”؛ أي تطوير نماذج تتفوق على الإنسان في معظم المهام الإدراكية. شركات مثل أوبن إيه آي وأنثروبيك تُجمع مليارات الدولارات كل بضعة أشهر، فيما يقترب تقييمهما المشترك من نصف تريليون دولار. بالنسبة للمستثمرين، فإن الوصول إلى ذكاء اصطناعي عام يعني ثورة إنتاجية تضاهي وربما تتجاوز اكتشاف الكهرباء أو الإنترنت.

الإيكونوميست علّقت: “حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، كثير من المستثمرين سيخسرون أموالهم، بينما سيحقق آخرون عوائد فلكية”. وهذا التناقض يعكس طبيعة الفقاعات المالية: الكل يتسابق، لكن القليل فقط يخرج منتصراً.

أصول قصيرة العمر وأثر اقتصادي مباشر

على عكس استثمارات البنية التحتية التقليدية – مثل السكك الحديدية أو الألياف الضوئية – فإن ما يزيد على نصف الإنفاق الحالي يذهب إلى عتاد إلكتروني قصير العمر: رقائق معالجة، وخوادم، ومسرّعات حوسبة لا يتجاوز عمرها الافتراضي بضع سنوات.

إذا تباطأ الاستثمار أو تراجعت وتيرة تبني التقنية بسبب معوقات في الأداء أو محدودية إمدادات الكهرباء، فإن مئات المليارات من الدولارات قد تصبح بلا قيمة تُذكر. صحيح أن مباني مراكز البيانات ومحطات الطاقة يمكن إعادة توظيفها، لكن الأجهزة الإلكترونية نفسها لا يمكن بيعها أو إعادة استخدامها بسهولة. وهذا ما يجعل الخطر في فقاعة الذكاء الاصطناعي أكبر من غيره من الفقاعات السابقة.

الإيكونوميست قدّرت أن طفرة الذكاء الاصطناعي أسهمت بما يقارب 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي خلال العام الماضي، رغم أن القطاع نفسه لا يمثل سوى بضعة في المئة من الاقتصاد. هذه الأرقام توضح أن أي تباطؤ أو انهيار في الاستثمارات سيقود إلى تباطؤ اقتصادي واسع، من خلال توقف بناء مراكز البيانات وتسريح عشرات الآلاف من العاملين المرتبطين بها.

الأسواق المالية بدورها باتت أكثر عرضة للمخاطر. القيمة السوقية لعدد محدود من شركات التكنولوجيا الكبرى صارت تمثل جزءاً ضخماً من مؤشرات الأسهم الأمريكية. ومع أن ملكية الأسهم تشكل حوالي 30% من صافي ثروة الأسر الأمريكية – وهو مستوى انكشاف أعلى حتى من فترة فقاعة الإنترنت عام 2000 – فإن أي هزة في أسعار هذه الأسهم ستؤثر مباشرة في ثقة المستهلكين وقدرتهم على الإنفاق.

دروس من التاريخ

فقاعات سابقة علمتنا أن الانفجارات الاستثمارية، رغم خسائرها، تترك عادة أصولاً نافعة. السكك الحديدية في القرن التاسع عشر خلّفت شبكة مواصلات دعمت الثورة الصناعية، وفقاعة الإنترنت أنتجت بنية تحتية رقمية كانت أساس الاقتصاد الرقمي الحالي.

لكن الفرق هذه المرة أن الجزء الأكبر من الاستثمارات موجه إلى معدات قصيرة العمر لا تُترك وراءها قيمة دائمة. إذا انهارت الفقاعة، فإن الأثر المتبقي سيكون أقل بكثير من تلك الأمثلة التاريخية.

في السيناريو المتفائل، إذا تحقق الذكاء الاصطناعي العام خلال سنوات قليلة، فإن العالم قد يدخل مرحلة نمو اقتصادي غير مسبوقة تصل معدلاته إلى 20% سنوياً وفق قراءة بقش، مع ثورة في الإنتاجية والصناعات الجديدة. لكن في السيناريو المتشائم، إذا تباطأ التقدم أو لم ترقَ التقنية إلى مستوى التوقعات، فإن “الخسائر الاقتصادية والمالية ستكون سريعة وقاسية”، على حد وصف الإيكونوميست.

الطفرة الحالية لا تخص الولايات المتحدة وحدها، فأوروبا والصين واليابان تسير في مسارات مشابهة، مع استثمارات بمئات المليارات في مراكز البيانات والطاقة الكهربائية. الصين على سبيل المثال تُحوّل مدناً كاملة إلى “مزارع خوادم”، فيما تضخ أوروبا استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية ضمن خططها لتعزيز السيادة التكنولوجية.

الانعكاسات قد تطال أيضاً اقتصادات الخليج، التي تستثمر عبر صناديقها السيادية في شركات الذكاء الاصطناعي أو في مراكز بيانات داخلية وفق متابعة بقش. السعودية والإمارات ضختا مليارات الدولارات في شراكات مع شركات أمريكية وآسيوية، على أمل أن تصبح المنطقة مركزاً إقليمياً للذكاء الاصطناعي. وأي انهيار في هذه الفقاعة قد يؤدي إلى خسائر مباشرة لهذه الاستثمارات، لكنه في الوقت نفسه قد يترك وراءه بنية تحتية يمكن استغلالها في الاقتصاد الرقمي المحلي.

علاقة محتملة بأسواق الطاقة

لا يمكن فصل هذه الطفرة عن سوق الطاقة العالمية. مراكز البيانات العملاقة تستهلك كميات هائلة من الكهرباء، ما يزيد الطلب على الغاز الطبيعي والفحم والطاقة المتجددة.

إذا استمرت الطفرة، فقد يؤدي ذلك إلى تضخم استهلاك الطاقة على نحو يرفع الأسعار ويعيد تشكيل موازين العرض والطلب. أما إذا انهارت، فإن الطلب سينكمش فجأة، ما قد يضغط على أسعار الطاقة، خصوصاً الغاز الطبيعي المسال، الذي تعتمد عليه هذه المراكز لتوليد الكهرباء.

من هذا المنظور، فإن أسواق النفط والغاز قد تجد نفسها مرتبطة بشكل مباشر بمصير استثمارات الذكاء الاصطناعي. وبالنسبة لدول الخليج، هذا يعني أن تقلبات التقنية الجديدة لن تؤثر فقط على استثماراتها المالية، بل أيضاً على عوائدها من الطاقة.

جانب آخر لا يقل أهمية يتمثل في التوقعات الاجتماعية. الحماس الشعبي لفكرة الذكاء الاصطناعي العام غذّى خطاباً سياسياً يتحدث عن “ثورة تكنولوجية” قادمة. إذا انهارت الفقاعة، فإن أثر ذلك على الثقة في التكنولوجيا قد يكون عميقاً، وربما يطلق موجة تشكيك في جدوى هذه الاستثمارات، بل وحتى في المؤسسات التي روجت لها.

وفي الولايات المتحدة، حيث تشكل أسواق الأسهم جزءاً كبيراً من ثروة الأسر، أي انهيار في أسهم الذكاء الاصطناعي سيترجم مباشرة إلى انخفاض في الإنفاق الاستهلاكي، وقد يقود إلى ركود اقتصادي واسع. وفي أوروبا وآسيا، قد تتعرض الحكومات لضغوط بسبب الأموال الطائلة التي أنفقتها على مشاريع لم تحقق نتائج ملموسة.

المشهد إذن معقد، من جهة هناك وعود غير مسبوقة بنمو اقتصادي ضخم، ومن جهة أخرى مخاطر انهيار قد يكون أشد قسوة من فقاعة الإنترنت قبل ربع قرن. وكما تقول الإيكونوميست، فإن الدرس الأساسي هو أن الفقاعات الاستثمارية لا تختفي بلا أثر، لكنها هذه المرة قد تترك وراءها أقل بكثير مما نتصوره.

فقاعة الذكاء الاصطناعي، إذا صحّ وصفها، قد تكون أكبر اختبار يواجه الاقتصاد العالمي في العقد المقبل. فإذا أثمرت الاستثمارات وظهر الذكاء الاصطناعي العام فعلاً، سيدخل العالم عصراً جديداً من النمو والإنتاجية. أما إذا خابت التوقعات، فإن العالم سيجد نفسه أمام خسائر بمئات المليارات، وتقلبات مالية قد تذكّرنا بأزمات كبرى مثل 2008.

وبحسب اطلاع مرصد بقش على تقارير الإيكونوميست ووكالات الأنباء العالمية، فإن الإجابة لم تتضح بعد، لكن المؤكد أن السنوات الثلاث المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه الاستثمارات بداية لعصر ذهبي جديد، أم فقاعة عابرة ستنتهي بانفجار مدوٍ.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش