الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

قرارات في مأرب بشأن أزمة الإيجارات.. هل يتم تنفيذها لصالح المستأجرين؟

الاقتصاد اليمني | بقش

تتصاعد حدة الأزمات المعيشية أمام شبح الإيجارات التي تمثّل -في مناطق حكومتي صنعاء وعدن على حد سواء- عبئاً كبيراً على المواطنين، وفي غضون ذلك تبرز أزمة الإيجارات في محافظة “مأرب” وسط الارتفاع المتسارع في الإيجارات وما نتج عنه من ضغوط معيشية خانقة طالت آلاف الأسر والنازحين.

اللجنة المكلفة بمعالجة مشاكل الإيجارات والعقارات في مأرب، أعلنت عن حزمة إجراءات تنظيمية تهدف إلى ضبط السوق العقارية وحماية المستأجرين من الاستغلال.

وحسب بيان اللجنة الذي اطلع عليه مرصد “بقش”، فقد عقدت سلسلة اجتماعات تشاركية ضمت ممثلين عن مكتب الأشغال العامة، وهيئة الأراضي والمساحة، ومكتب الصناعة والتجارة، ومديرية مدينة مأرب، والمكاتب العقارية المعتمدة، وناقشت تلك الاجتماعات الارتفاعات غير المبررة في أسعار الإيجارات، وسبل وضع آليات قانونية واضحة تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وتحد من النزاعات التي أثقلت كاهل القضاء والأجهزة الأمنية.

وأوضحت اللجنة أنها أعدت استمارة مسح وتصنيف شاملة للعقارات السكنية والتجارية، تصنف المباني حسب نوعها (مسلح، حجر، بلك، شعبي) لتحديد القيمة الإيجارية المناسبة وفق معايير فنية عادلة تراعي طبيعة البناء وموقعه ومستوى الخدمات المحيطة به، كما ذكرت أنها أنشأت غرفة عمليات وخدمة جمهور لتلقي شكاوى المواطنين ومتابعة قضايا المتضررين، معتبرة أن معاناة المواطنين والنازحين هي محور عمل اللجنة واهتمامها الأساسي.

هذا الإجراء جاء بعد إطلاق مبادرة مجتمعية باسم “معاً من أجل إيجار عادل وواقعي”. هذه المبادرة دعت جميع المستأجرين من النازحين، في أكتوبر الماضي، إلى التوقف عن دفع الإيجارات ابتداءً من أكتوبر، في تصعيد أولي هدد بالوصول إلى العصيان المدني.

وكانت المبادرة قالت في بيانها رقم (1) الذي حصل بقش على نسخة منه، إن هذه الدعوة تأتي وسط المعاناة الكبيرة التي يواجهها النازحون وأصحاب الدخل المحدود في المحافظة، بسبب الارتفاع غير المبرر للإيجارات، رغم تراجع الأسعار في السوق.

وطالبت المبادرة بإصدار قرار ملزم بتخفيض الإيجارات بما يتناسب مع انخفاض أسعار المواد الأساسية ومواد البناء، وإلزام المُلاك بإبرام عقود إيجار رسمية بالعملة المحلية وتحت إشراف الجهات المختصة، ومنع التمييز ضد منتسبي الجيش وأبناء مأرب، وتحديد قيمة الإيجارات حسب المتر المربع استناداً إلى تصنيفات فنية وقرار محافظ المحافظة لعام 2018.

كما طالبت بإلغاء نظام “المقدّم” لعدة أشهر مسبقة، لما يشكله من عبء على الأسر النازحة، ووضع آلية واضحة قبل السماح بطرد المستأجرين، مع مراعاة تأخر صرف الرواتب والمساعدات. وكذلك منع المُلاك من قطع التيار الكهربائي أو المياه أو مضايقة المستأجرين، ومحاسبة المخالفين قضائياً.

منع الإيجار بالعملة الأجنبية واعتماد عقد موحد

من القرارات التي خرجت بها اللجنة، منع التعامل بالعملات الأجنبية في عقود الإيجار، والتأكيد على الالتزام بالريال اليمني، استناداً إلى قرارات الحكومة وبنك عدن المركزي. كما منعت اللجنة رفع الإيجارات في الظروف الاقتصادية الراهنة، وأشارت إلى عدم اشتراط ضمانة تجارية من تاجر محدد، مع اعتماد أي ضمانة تجارية مسجلة بالغرفة التجارية في المحافظة.

وأقرت اللجنة اعتماد عقد إيجار موحد بإشراف مكتب هيئة الأراضي والمساحة، ومعمد من قِبل عقال الحارات وأقسام الشرطة في المديريات، في خطوة تهدف إلى الحد من النزاعات وتوثيق العلاقة القانونية بين الطرفين.

كما أفادت بتنظيم مهنة الدلالة العقارية وربطها برخص مزاولة رسمية، وإلزام الملاك بتوثيق العقود عبر المكاتب العقارية المعتمدة، بما يعزز الشفافية ويحد من المضاربات في السوق.

وقالت اللجنة إنها شكلت لجنة فنية متخصصة أعدت دراسة متكاملة ولوائح تنفيذية، شملت خريطة تقسيم جغرافي للمدينة وفق المخطط الحضري لمأرب، مع تحديد القيم الإيجارية بناءً على معايير دقيقة تراعي الموقع ونوع العقار وطبيعة البناء.

الإيجارات: معاناة تتجاوز مأرب

تأتي هذه القرارات في سياق أوسع من أزمة سكن خانقة تشهدها المحافظات اليمنية عامة، إذ يشكو المستأجرون في مختلف المناطق من الارتفاع المفرط في الإيجارات نتيجة غياب الرقابة الحكومية وتراجع المعروض السكني، إلى جانب تدفق المواطنين، بمن فيهم النازحون، إلى المدن الرئيسية مثل مأرب وصنعاء وتعز وعدن.

في العديد من المدن، تحوّل السكن إلى عبء ثقيل يهدد الاستقرار الاجتماعي، خصوصاً مع إقدام بعض المؤجرين على فرض الإيجارات بالدولار الأمريكي أو الريال السعودي بدلاً من العملة المحلية، كما في عدن وعدد من محافظات حكومة عدن، وهو ما ضاعف معاناة المستأجرين الذين يتقاضون دخولهم الزهيدة بالريال اليمني.

وهذه الممارسات التي وصفتها منظمات مدنية بـ”الاستغلال الاقتصادي” ساهمت في توسيع فجوة اللامساواة ودفعت الكثير من الأسر إلى النزوح الداخلي مجدداً أو إلى تقاسم المساكن بعدد من العائلات لتقليل الكلفة.

وتشير تقديرات محلية تتبَّعها بقش إلى أن أسعار الإيجارات في مأرب ارتفعت بنحو 200% خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مدفوعة بازدهار النشاط التجاري والهجرة الداخلية الكثيفة إلى المدينة، في حين لم تصدر السلطات المحلية لوائح محددة لتنظيم السوق إلا مؤخراً.

ويُشار إلى أن القرارات التي أعلنتها لجنة تنظيم الإيجارات في مأرب تواجه تحديات مثل ضعف التنفيذ الميداني وغياب أجهزة رقابية قادرة على فرض الالتزام وفقاً لمراقبين، فضلاً عن هشاشة الوضع الاقتصادي وغياب سياسات إسكان وطنية شاملة.

غير أن منع التعامل بالعملة الأجنبية في الإيجارات يُعد خطوة هامة إلى الأمام واختباراً حقيقياً بنفس الوقت، إذ يسهم في حماية الريال اليمني والحد من ممارسات المضاربة، ويشكل رسالة إلى بقية المحافظات التي ما تزال تشهد تفشياً لظاهرة الإيجار بالعملة الصعبة، وإذا ما تم تطبيق هذه القرارات بجدية، فقد يُعاد التوازن إلى سوق العقارات اليمني، وحتى ذلك الوقت يبقى الاختبار مفصلياً.

زر الذهاب إلى الأعلى