الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين: رسائل سياسية بملامح اقتصادية وضغوط نفطية محتملة

الاقتصاد العالمي | بقش

عُقدت في ألاسكا أول قمة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين منذ سبع سنوات، في لقاء استمر أكثر من ساعتين ونصف. ورغم أن القمة لم تُسفر عن اتفاق نهائي بشأن الحرب في أوكرانيا، إلا أنها حملت رسائل اقتصادية واضحة تتعلق بالطاقة والتجارة والتكنولوجيا، وسط مؤشرات على استخدام الاقتصاد كأداة رئيسية في مسار التفاوض.

بوتين شدد خلال اللقاء على إمكانيات التعاون بين موسكو وواشنطن في مجالات التجارة، الرقمنة، التكنولوجيا المتقدمة، استكشاف الفضاء، وحتى القطب الشمالي، مؤكداً أن البلدين يمتلكان “قدرات هائلة” في هذه القطاعات. دعوته إلى “طي الصفحة والعودة للتعاون” بدت إشارة إلى رغبة روسية في إعادة الانخراط الاقتصادي مع الولايات المتحدة بعد سنوات من العقوبات والعزلة.

من جانبه، أشار ترامب إلى أن القمة كانت “مثمرة وبنّاءة”، لكنه أكد أن الاتفاق النهائي لم يُبرم بعد، لافتاً إلى أن بعض الملفات لا تزال عالقة. وبينما بدا أن الملف السياسي يتصدر المباحثات، فإن البعد الاقتصادي ظل حاضراً بقوة، خصوصاً في ظل تلويح واشنطن بخيارات عقابية تستهدف قطاع الطاقة الروسي.

إلى ذلك تدرس الإدارة الأمريكية فرض عقوبات على شركتي “روسنفت” الحكومية و”لوك أويل” الخاصة، واللتين تمثلان معاً نحو نصف صادرات روسيا من النفط الخام (قرابة 2.2 مليون برميل يومياً في النصف الأول من العام الجاري).

مثل هذه الخطوة، إن نُفذت، ستوجه ضربة مباشرة لعائدات الكرملين النفطية، لكنها في الوقت نفسه قد تفتح الباب أمام تقلبات جديدة في سوق الطاقة العالمي.

هذا التهديد بالعقوبات يأتي في وقت تتوقع فيه وكالة الطاقة الدولية فائضاً قياسياً في سوق النفط العام المقبل، ما يمنح الولايات المتحدة هامشاً أوسع لممارسة الضغط دون الخوف من قفزات سعرية كبيرة. ومع ذلك، يبقى الخطر قائماً من أن أي تعطيل كبير لإمدادات النفط الروسي قد ينعكس على الأسعار ويعيد التوتر إلى الأسواق.

الرسوم الجمركية كورقة ضغط

إلى جانب العقوبات، يواصل ترامب التلويح بالرسوم الجمركية كأداة اقتصادية بديلة أو موازية. فقد سبق أن رفع الرسوم على واردات النفط الروسي إلى الهند بنسبة 50%، وهي خطوة رأى مراقبون أنها ساهمت في دفع موسكو إلى طاولة المفاوضات.

كما هدد بفرض قيود إضافية على ناقلات النفط الروسية، وحتى على المشترين الكبار مثل الصين، في إطار سياسة تقوم على “الترغيب والترهيب الاقتصادي” لدفع روسيا نحو التسوية.

القمة وضعت حلفاء واشنطن الأوروبيين في موقف معقد، فمن جهة، يواصل الأوروبيون الضغط لتشديد العقوبات على روسيا، مع التشديد على ضرورة تقديم ضمانات أمنية صارمة لأوكرانيا، ومن جهة أخرى، تبقى الأسواق الأوروبية الأكثر عرضة لأي اضطراب في إمدادات الطاقة، وهو ما يجعل معادلة العقوبات أكثر تعقيداً في القارة العجوز.

أما أوكرانيا، فقد وجدت نفسها أمام تحول في الموقف الأمريكي، فبينما طالبت كييف بوقف إطلاق النار كمرحلة أولى، أعلن ترامب أن الحل يجب أن يكون عبر اتفاق سلام شامل، وهو ما ينسجم مع الطرح الروسي، لكنه يضع الاقتصاد الأوكراني أمام تحديات أكبر في حال طالت الحرب من دون ضمانات ملموسة لإعادة الإعمار والاستقرار المالي.

ورغم غياب اختراق سياسي في قمة ألاسكا، إلا أن مخرجاتها تؤكد أن الاقتصاد –وخاصة الطاقة– بات المحرك الأساسي في معادلة الصراع والتفاوض. روسيا تسعى لاستعادة قنوات التعاون التجاري والتكنولوجي، بينما تستخدم الولايات المتحدة أدواتها الاقتصادية للضغط، مستفيدة من وضع السوق النفطي العالمي.

القمة عكست أيضاً أن مستقبل الحرب في أوكرانيا لن يُحسم فقط بالمسارات العسكرية أو السياسية، بل بمدى قدرة الأطراف على إدارة التوازنات الاقتصادية المعقدة التي تشمل الطاقة، العقوبات، والتجارة العالمية. وفي هذا السياق، يبدو أن الطريق إلى أي تسوية نهائية سيمر عبر معادلة دقيقة بين السياسة والاقتصاد، حيث تشكل أسواق النفط والغاز البوصلة الخفية لمسار المفاوضات المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش