
تقارير | بقش
أصبحت التكلفة الباهظة للحرب الإسرائيلية نقطة نقاش رئيسية حول مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، فحكومة نتنياهو تسعى إلى تأكيد قدرة الاقتصاد على الصمود، بينما تكشف الأرقام الرسمية والتقديرات الدولية عن فجوات هائلة في حساب التكلفة وآليات تمويلها، وهو ما يدلل على هشاشة الاقتصاد وأولوياته أمام تراكم الضغوط.
التقديرات الرسمية الإسرائيلية تشير إلى تباين وفقاً لاطلاع بقش على صحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية، إذ تحدث وزير المالية سموتريتش عن كلفة إجمالية للحرب تناهز 300 مليار شيكل (89.4 مليار دولار)، بينما قدّر المحاسب العام للوزارة ياهلي روتنبرغ الإنفاق بنحو 140 مليار شيكل (41.7 مليار دولار) حتى نهاية 2024، وتوقَّع وصوله إلى 200 مليار شيكل (59.6 مليار دولار) بنهاية 2025.
أما بنك إسرائيل فرفع التقدير إلى 247 مليار شيكل (73.6 مليار دولار)، وهذا التباين في الحسابات يعكس اختلاف طرق الحساب بالأساس، بين من يحصر التكاليف بالنفقات العسكرية المباشرة، ومن يضيف الخسائر الاقتصادية وتعويضات الأضرار وتكاليف إعادة الإعمار.
بذلك، تتحول الأرقام إلى مرآة للصراع السياسي الاقتصادي الداخلي، حيث تحاول الحكومة التخفيف من حجم الكلفة بينما يركز البنك المركزي والجهات المستقلة على التداعيات الأوسع.
وقد بلغت موازنة إسرائيل للعام 2025 قرابة 620 مليار شيكل (184.8 مليار دولار) حسب متابعة بقش، خُصص منها لوزارة الدفاع ما يقارب 110 مليارات شيكل (32.8 مليار دولار)، ومع تصاعد العمليات العسكرية أُضيفت ميزانية دفاعية إضافية قدرها 30 مليار شيكل (8.9 مليارات دولار) ضمن عملية “عربات جدعون”، ونتيجة لذلك رُفع سقف العجز من 4.9% إلى 5.2% من الناتج المحلي.
لكن هذه التعديلات جاءت على حساب قطاعات مدنية أساسية، فقد تم خفض موازنات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، ورفع ضريبة القيمة المضافة إلى 18%، وتجميد شرائح ضريبة الدخل.
بذلك تحولت الميزانية إلى ما وصفه محللون إسرائيليون بأنها “غنية بالمراسيم وفقيرة بالإصلاحات” وفقاً لصحيفة كالكاليست، وهو ما عمّق التذمر الشعبي، خاصة مع غياب مخصصات كافية لإعادة إعمار الشمال والجنوب أو تحسين الخدمات الاجتماعية.
مصادر التمويل: بين الدعم الأمريكي والاقتراض
تتنوع آليات تمويل الحرب بين إعادة توجيه الموازنات المدنية، ورفع الضرائب والاقتراض المحلي والخارجي، فضلاً عن الدعم الأمريكي المباشر، وعوائد الصناعات العسكرية والمساهمات الخاصة.
وهناك التحويلات الداخلية، وهي اقتطاعات من وزارات مدنية لصالح الدفاع وصناديق الطوارئ. وكذلك الضرائب والاقتراض، وهي سياسات مالية توسعية عبر الاستدانة ورفع الإيرادات الضريبية، ما يؤدي إلى تضخم الدين العام.
ويبقى الدعم الأمريكي الركيزة الأهم، فقد أنفقت واشنطن منذ بداية الحرب حتى نهاية عام 2024 أكثر من 22 مليار دولار مساعدات إضافية لإسرائيل وفق مراجعة بقش، إلى جانب الدعم السنوي الثابت (5 مليارات دولار). كما وقّعت إسرائيل صفقة بقيمة 8.7 مليارات دولار مع شركة “رافائيل” لتوسيع إنتاج صواريخ القبة الحديدية، إضافة إلى حزمة دعم دفاعي بقيمة 5.2 مليارات دولار.
وسجلت الصناعات العسكرية صادرات دفاعية قياسية عام 2024 بقيمة تراوحت بين 14 و15 مليار دولار.
وفي غضون تبقى السيناريوهات لهذا العام والعام المقبل تدور حول “أزمة مالية” تلوح في الأفق. فالمحللون الاقتصاديون يرون أن عام 2026 قد يكون نقطة تحول خطرة للاقتصاد الإسرائيلي إذا استمر الإنفاق العسكري بنفس الوتيرة.
وسيؤدي تزايد الاقتراض وارتفاع العجز إلى تآكل الاحتياطات وتضخم الدين العام، وهو ما يستدعي خطط إصلاح مالي صارمة.
المحرر في صحيفة ذا ماركر الإسرائيلية “ناتي توكر” قال إن على الحكومة الإسرائيلية توحيد منهجية الحساب لضمان الشفافية وتفادي التباينات السياسية، إلى جانب إعداد خطة طوارئ مالية توازن بين تمويل الحرب وحماية الخدمات الاجتماعية.
كما شدد على ضرورة تنويع مصادر النمو بعيداً عن القطاع العسكري، عبر دعم الاستثمار في قطاعات إنتاجية مدنية لتفادي الانكماش على المدى المتوسط، وفقاً لكالكاليست.
هذه المعطيات تكشف عن أن إسرائيل تعيش حالة “اقتصاد حرب” متواصل، يعتمد بشكل جوهري على المساعدات الأمريكية وصادرات السلاح، لكن هذه الاستراتيجية قصيرة الأمد، إذ تنذر بارتفاع الدين العام وتآكل الإنفاق الاجتماعي، مما يضعف الجبهة الداخلية.
وإلى جانب ذلك، التباين في التقديرات بين وزارة المالية والبنك المركزي والجهات البحثية، يُبرز هشاشة السياسة الاقتصادية وتسييس الأرقام لخدمة أجندات مختلفة، وبالنظر إلى سيناريو 2026، فإن استمرار الحرب بلا أفق سياسي، قد يحول الأزمة المالية إلى أزمة بنيوية، تُضعف إسرائيل اقتصادياً وتفتح الباب أمام ضغوط اجتماعية داخلية ومعارضة سياسية واسعة.