
تقارير | بقش
يُجبَر المزيد من السكان الفلسطينيين في قطاع غزة على مغادرة منازلهم وسلوك طريق لا يؤدي إلى أي مكان، في حين لا يوجد مكان آمن ولا مأوى يحميهم من القصف الإسرائيلي المستمر بدعم أمريكي غير محدود.
وفي السماء لا تتوقف أصوات الطائرات المسيّرة، وعلى الأرض ينتشل الشباب والرجال جثامين من تحت الركام برفق، بعد ساعات من اشتداد القصف على مدينة غزة وبالتزامن مع إعلان إسرائيل توسيع عملياتها البرّية للسيطرة عليها، وقد وعرضت مدينة غزة فجر اليوم الثلاثاء لقصف إسرائيلي عنيف، عقب زيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى إسرائيل للتعبير عن دعم الولايات المتّحدة الراسخ لها.
ويُعد تصعيد الهجوم البري في مدينة غزة بمثابة رسالة إسرائيلية بعد القمة العربية التي انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة، أمس الإثنين، إذ بدت الهجمات الأخيرة رسالة سياسية مفادها عدم الاهتمام بما جاء في البيان الختامي للقمة الذي لم يتجاوز الإدانة، ودعا إلى مراجعة العلاقات مع إسرائيل.
وجاء في البيان الختامي إدانة للهجوم الإسرائيلي على قطر، واعتبر أن غياب المساءلة الدولية، وصمت المجتمع الدولي إزاء الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، شجّعا إسرائيل على التمادي في اعتداءاتها وإمعانها في انتهاكها الصارخ للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، مما يكرّس سياسة الإفلات من العقاب، ويُضعف منظومة العدالة الدولية، ويهدد بالقضاء على النظام العالمي المبني على القواعد بما يشكّل تهديداً مباشراً للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.
وأكد بيان الدول العربية في القمة على “ضرورة الوقوف ضد مخططات إسرائيل لفرض أمر واقع جديد في المنطقة، والتي تشكل تهديداً مباشراً للاستقرار والأمن الإقليمي والدولي، وضرورة التصدي لها”، وكذلك “إدانة السياسات الإسرائيلية التي تسببت في كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث يُستخدم الحصار والتجويع وحرمان المدنيين من الغذاء والدواء كسلاح حرب ضد الشعب الفلسطيني”.
الوضع الإنساني: تدمير منهجي لغزة
وكالة الأونروا قالت في أحدث تصريحاتها، وفق اطلاع بقش، إن المزيد والمزيد من الناس في غزة يضطرون إلى ترك منازلهم، والمضي نحو المجهول بلا وجهة، وأكدت أن المطلوب تحرك عاجل من أجل وقف إطلاق النار.
وتصف الأمم المتحدة ما يحدث في غزة بـ”المروع”، وتضيف على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش: “نحن الآن نشهد تدميراً منهجياً لمدينة غزة، والحرب غير مقبولة أخلاقياً وسياسياً وقانونياً”.
من جانبها ذكرت لجنة تحقيق دولية مستقلة أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وطالبت إسرائيل وكافة الدول بالوفاء بالالتزامات القانونية بموجب القانون الدولي “لإنهاء هذه الإبادة الجماعية ومعاقبة المسؤولين عنها”.
لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، قالت في بيان صحفي اطلع عليه بقش إنها قامت بتحقيقات في الأحداث منذ بداية الحرب، وخلصت إلى أن السلطات الإسرائيلية وقوات الأمن الإسرائيلية ارتكبت أربعة من أفعال الإبادة الجماعية الخمسة التي حددتها “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” لعام 1948، وهي “القتل، والحاق أذى جسدي أو عقلي خطير، وفرض ظروف معيشية متعمدة يراد بها تدمير الفلسطينيين كلياً أو جزئياً، وفرض تدابير تستهدف الحيلولة دون الإنجاب”.
أضافت اللجنة أن التصريحات الصريحة الصادرة عن السلطات المدنية والعسكرية الإسرائيلية وأنماط سلوك قوات الأمن الإسرائيلية “تشير إلى أن أعمال الإبادة الجماعية ارتكبت بنية التدمير الكلي أو الجزئي للفلسطينيين كجماعة في قطاع غزة”.
ومسؤولية هذه الفظائع تقع على عاتق السلطات الإسرائيلية على أعلى المستويات، التي دبرت حملة إبادة جماعية لما يقرب من عامين الآن بقصد محدد وهو تدمير الفلسطينيين كجماعة في غزة، وفقاً لـ”نافي بيليه” رئيس اللجنة الدولية.
وبتحليل نمط سلوك السلطات الإسرائيلية وقوات الأمن الإسرائيلية في غزة، بما في ذلك “تجويع الفلسطينيين وفرض ظروف معيشية غير إنسانية عليهم في غزة”، رأت اللجنة أن نية الإبادة الجماعية هي الاستنتاج المعقول الوحيد الذي يمكن استنتاجه من طبيعة عملياتهم.
وطالبت الحكومةَ الإسرائيلية بالامتثال الفوري لالتزاماتها القانونية الدولية، بما في ذلك “إنهاء الإبادة الجماعية في قطاع غزة” والتنفيذ الكامل لأوامر التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، وإنهاء سياسة التجويع، ورفع الحصار، وتسهيل وضمان وصول المساعدات الإنسانية على نطاق واسع وبلا عراقيل.
إضافةً إلى ذلك، يجب إيقاف نقل الأسلحة والمعدات الأخرى المستخدمة في ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية إلى إسرائيل، وضمان عدم تورط الأفراد والشركات في ذلك.
فشل عسكري ذريع: قلق إسرائيلي من “فيتنام جديدة”
باتت حرب الإبادة على غزة مقلقة أكثر من أي وقت مضى، وتشكل قلقاً حتى للداخل الإسرائيلي، وتقول صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إن الحرب يجب أن تتوقف لأن استمرارها سيحولها إلى “فيتنام جديدة” بالنسبة لإسرائيل بكل ما تحمله من معاني الفشل العسكري، والانقسام المجتمعي، والكلفة الإنسانية الباهظة.
وتشير الصحيفة إلى “عدم الجاهزية العسكرية”، وتؤكد أن الأرقام الرسمية بشأن حجم الاستجابة للتجنيد مضللة، إذ يرفض كثيرون الخدمة بشكل صامت، ويفضل جنود الاحتياط البقاء مع أسرهم بعد جولات قتالية متكررة.
هذا الوضع ما هو إلا استنزاف بشري متواصل، بينما الجيش يتلاعب بالأرقام كي لا ينكشف حجم التهرب، في حين يعيش قادة سياسيون مثل وزير المالية سموتريتش في أوهام عن جنود مثاليين مستعدين للتضحية بأنفسهم.
وتعيش إسرائيل انهياراً في مؤسسات الرقابة في الدولة، كما باتت المحكمة العليا منهكة، فيما يصرخ رئيس الأركان بضرورة الاستبدال، وتمت استقالة رئيس الشاباك، واستبدال وزير الحرب بآخر يائس، أما مراقب الدولة فيعطل التحقيقات.
كل ذلك أدى إلى فقدان الجمهور الثقة في حكومة نتنياهو، وأصبح صوت المدافع مجرد غطاء لسحق المؤسسات، كما تشتد الانعكاسات الاقتصادية بوصول غلاء المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة، مع توجيه معظم الأموال للتسليح بدل الخدمات المدنية.
وفي المقابل لا تزال مأساة غزة قضية القضايا منذ قرابة السنتين حتى الآن: هل تحول القطاع المحاصر إلى موضوع لا يخرج عن بيانات الإدانة دون تحرك عربي وإسلامي فاعل وجاد لوضع حل للأزمة الإنسانية والكارثية؟