الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

لدفع الرواتب: حكومة عدن تستدين من البنوك التجارية والسداد من الدعم السعودي.. تفاصيل جديدة للانهيار المالي والعجز الحكومي

الاقتصاد اليمني | بقش

في خطوة تعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها حكومة عدن، كشفت معلومات عن أن الحكومة لجأت خلال الأيام الماضية إلى الاستدانة من البنوك التجارية المحلية من أجل تغطية رواتب موظفي القطاعين المدني والعسكري، على أن تُسدد هذه المبالغ عند وصول المنحة السعودية الأخيرة.

وكانت السعودية أعلنت في 20 سبتمبر الماضي عن تقديم دعم اقتصادي لحكومة عدن بقيمة 1.38 مليار ريال سعودي (368 مليون دولار) وفق متابعات مرصد “بقش”، وهو المبلغ الذي يُعوَّل عليه، أو على جزء منه، لسداد ديون الحكومة للبنوك التجارية اليمنية الخاصة.

وتشير مصادر لمرصد “بقش” إلى أن خطوة الحكومة تعني أن الدولة عملياً تعمل بنظام الدَّين الداخلي قصير الأجل لتغطية أبسط الالتزامات الشهرية، في مشهد يعكس هشاشة الوضع المالي.

كما أن البنوك التجارية بالأساس تستثمر في القطاعات الإنتاجية، لكن استدانة الحكومة منها تجعل البنوك جزءاً من عجلة الإنفاق الحكومي غير المنتج.

الصحفي فتحي بن لزرق، رئيس تحرير صحيفة عدن الغد، تطرَّق إلى هذا الموضوع، قائلاً إن “الدولة بكلها تأخذ سلفة من تاجر لكي تصرف رواتب موظفيها، مع أن مواردها يمكن أن تغطي كل هذه الاحتياجات وتزيد، لكن الموارد تذهب لجيوب متنفذين” دون تسميتهم أو الإشارة إليهم، واصفاً الوضع بـ”المؤسف جداً”.

وتساءل: “لنفترض أن لا وجود للوديعة السعودية الأخيرة، من أين سيتم صرف رواتب الناس؟ الدولة ليست بلا موارد لكن مواردها تذهب للصرافات الخاصة”. وأضاف: “السؤال الأكثر أهمية، حينما ستجف الوديعة السعودية الأخيرة ما الذي سيقومون به؟ هذه ليست دولة أبداً، دولة تشحت على باب الله” حد تعبيره.

الاستدانة وأزمة الثقة المالية

تأتي خطوة الاستدانة من البنوك وسط استنزاف حاد للإيرادات العامة، وتسرب الإيرادات من أكثر من 200 جهة حكومية تمتنع عن توريد الإيرادات إلى حسابات الحكومة في بنك عدن المركزي، وكذلك سوء الإدارة المالية لدى الحكومة والفساد المالي والإداري الذي يستنزف الموارد المحلية.

ويصف خبراء اقتصاديون حكومة عدن بأنها تعتمد بشكل شبه كلي على المنح والدعم الخارجي والاقتراض الداخلي لتغطية النفقات التشغيلية، وعلى رأسها الرواتب، وهو ما يجعلها بمثابة دولة مفلسة، وغير قادرة على تغطية التزاماتها.

ورغم امتلاك الحكومة موارد داخلية مثل الضرائب والجمارك وعوائد الموانئ وغيرها، إلا أن سوء الإدارة وغياب الشفافية وتعدُّد مراكز النفوذ المالي جعل هذه الموارد غير كافية لتغطية الالتزامات الشهرية.

ويُنظر إلى المنح والودائع المالية من السعودية بأنها باتت شريان الحياة المالي لحكومة عدن، ما يعني اعتماداً مفرطاً على الدعم الخارجي وما يترتب عليه من أعباء مالية مستقبلية على الدولة، بينما تذهب الموارد المحلية في اليمن إلى جيوب النافذين وسط تصارع القوى السياسية على الإدارة والثروات.

ويقول المحلل الاقتصادي “سليم مبارك”، وهو مصرفي في مدينة عدن، إن خطوة استدانة الدولة من البنوك التجارية يزيد من أزمة الثقة بين المواطنين والحكومة، مضيفاً في تعليق لـ”بقش”: “على الحكومة الاعتراف بأننا أمام انهيار مالي كامل، وأن الحلول استُنفدت لأنه لا يوجد عمل جاد على توحيد الإيرادات في حساب حكومي مركزي، ولا توجد تحركات حقيقية لكبح الفساد واستنزاف المالية العامة وإعادة تفعيل تصدير النفط”.

وأشار مبارك إلى أن اللجوء إلى البنوك والمؤسسات المالية في الداخل والاستدانة منها، ثم الاعتماد على ما سيأتي من الخارج من أجل السداد، هو مشهد “عبثي” -حد تعبيره- يعكس الصورة الكاملة لفشل الحكومة في احتواء الأزمة الاقتصادية والمالية بكل أبعادها وتفاصيلها وجذورها.

صرف الرواتب: أول اختبار للحكومة

وأعلنت حكومة عدن، الخميس 09 أكتوبر، عن بدء صرف الرواتب المتأخرة لموظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري، وفق خطة مالية وإدارية يجري تنفيذها بإشراف من رئيس الوزراء، وبالتنسيق بين وزارة المالية وبنك عدن المركزي والجهات ذات العلاقة والقطاع المصرفي.

وحسب اطلاع “بقش” على ما نشرته وكالة سبأ، فإن صرف التعزيزات المالية للرواتب يبدأ من الخميس، دون تحديد الشهر أو الأشهر التي سيتم صرفها، في الوقت الذي بلغت فيه الرواتب المتأخرة أربعة أشهر.

وتعمل حكومة عدن حالياً، وفق إعلانها، بالتنسيق مع بنك عدن المركزي، على خطة متكاملة لضمان انتظام صرف الرواتب شهرياً، وتصفية كافة الأشهر المتأخرة تدريجياً، بالتوازي مع “إصلاحات مالية وهيكلية تهدف إلى تحقيق الاستدامة في تمويل المرتبات وتحسين أوضاع العاملين في الدولة” حسب الوكالة.

ووصف اقتصاديون إعلان الحكومة عن صرف رواتب القطاعين المدني والعسكري بأنه أول اختبار حقيقي لإصلاحات بنك عدن المركزي في الجانب النقدي وضبط استقرار السوق، واختبار للمصداقية والقدرة لدى الحكومة، إذ إن إعلان الصرف لا يقتصر على كونه إجراء مالياً فحسب، بل قياساً لمدى جدية الحكومة في المضي بخطوات عملية نحو الإصلاح الاقتصادي والإداري.

وخلال الأشهر الماضية واجه المواطنون ضغوطاً مأساوية بسبب تأخر الرواتب وارتفاع تكاليف المعيشة، بالتوازي مع عدم قدرة الحكومة على ضبط مواردها العامة وإلزام الجهات الحكومية بتوريد الإيرادات إلى البنك المركزي، مما أحدث فجوة فاقمت من معضلة الرواتب.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش