للمرة الثانية في غضون 3 أشهر.. إسبانيا تلغي صفقة عسكرية مع إسرائيل بمئات الملايين من الدولارات لتعميق عزلة الصناعات العسكرية الإسرائيلية

تقارير | بقش
أعلنت تقارير صحفية إسبانية أن مدريد قررت إلغاء صفقة ضخمة لشراء أنظمة المدفعية PULS من شركة “إلبيت” الإسرائيلية، في خطوة تعكس تصعيداً واضحاً في الموقف الأوروبي من التعاون العسكري مع تل أبيب على خلفية حرب الإبادة في غزة. وتبلغ القيمة الإجمالية للصفقة نحو 700 مليون يورو وفق اطلاع مرصد بقش، منها 150 مليون يورو كانت ستذهب مباشرة إلى “إلبيت”، الشركة الإسرائيلية العملاقة في مجال الصناعات الدفاعية.
هذا الإلغاء يأتي امتداداً لقرار سابق اتخذته وزارة الدفاع الإسبانية في يونيو الماضي بتعليق صفقة أخرى لشراء صواريخ Spike LR 2 من شركة “رافائيل” الإسرائيلية بقيمة 285 مليون يورو (نحو 310 ملايين دولار)، كان من المفترض أن تزوّد الجيش الإسباني والبحرية المحلية بـ168 وحدة إطلاق و1680 صاروخاً.
بحسب وكالة الأنباء الإسبانية EFE، فإن الهدف من هذه القرارات هو تقليل الاعتماد التكنولوجي إلى الصفر على إسرائيل، ضمن سياسة أوروبية متنامية لربط التعاون العسكري بالسلوك الإسرائيلي في غزة.
عزلة إسرائيلية تتسع في أوروبا
نظام المدفعية PULS الذي طورته “إلبيت” يُعد من الأنظمة المتقدمة القادرة على إطلاق ذخائر متنوعة، من الصواريخ غير الموجهة إلى الذخائر الدقيقة بعيدة المدى، بمدى يصل إلى 300 كيلومتر. وقد رُوّج للصفقة على أنها ستمنح الجيش الإسباني قدرات نارية جديدة، مع تقليل تكاليف التدريب والصيانة عبر دمج المنظومة مع منصات قائمة.
لكن إلغاء الصفقة يوجّه ضربة مباشرة لـ”إلبيت”، التي تعوّل على السوق الأوروبية لتعويض أي تراجع في صادراتها إلى مناطق أخرى. مصادر في مدريد أوضحت أن الحكومة تدرس بدائل من شركات أمريكية مثل رايثيون ولوكهيد مارتن لتزويدها بأنظمة بديلة مثل صواريخ “جافلين”، ما يعني أن الفراغ الذي تتركه إسرائيل قد تستفيد منه المنافسة الأمريكية.
خطوة مدريد ليست معزولة. فبحسب تقارير إسرائيلية تابعها بقش، فإن شركات الدفاع الإسرائيلية تواجه موجة رفض متصاعدة في أوروبا. في ألمانيا تتعرض مكاتبها لعمليات تخريب، وفي بريطانيا يجري التحضير لتعطيل معارض دفاعية تشارك فيها شركات مثل “إلبيت” و”رافائيل”. أما في إسبانيا، فقد خرجت مظاهرات واسعة تضغط على الحكومة لوقف التعاون العسكري بالكامل مع إسرائيل.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علّق على هذا الواقع قائلاً: “نحن في نوع من العزلة، قد يتم حظر صناعات الأسلحة لدينا، ويجب أن نكون سوبر اسبرطة”، ويعكس التصريح إدراك الحكومة الإسرائيلية أن صادرات السلاح، التي تمثل رافعة أساسية للاقتصاد والدبلوماسية، باتت مهددة بفعل العزلة السياسية والشعبية.
في ظل هذه التوترات، يؤكد مسؤولون في وزارة الدفاع الإسرائيلية أن العالم يشهد طفرة غير مسبوقة في الإنفاق العسكري. اللواء المتقاعد أمير برام، المدير العام لوزارة الدفاع، أشار خلال مؤتمر رسمي إلى أن ميزانيات الدفاع عالمياً قفزت بنسبة 20% خلال عام 2024 لتصل إلى نحو 2.7 تريليون دولار، وهي أكبر زيادة منذ عام 1988.
وبرغم الخسائر التي تواجهها الصناعات الإسرائيلية في أوروبا، أوضح برام أن الوزارة وقّعت خلال الأسبوع الماضي فقط صفقات بقيمة 2.5 مليار دولار مع دول لم يُكشف عن أسمائها بحسب قراءة بقش، مؤكداً أن “وزارة الدفاع ليست جهة إنفاق فقط، بل أيضًا مصدر دخل عبر تعزيز الصادرات الدفاعية.”
اقتصاد الحرب وكلفته الباهظة
المسؤول الإسرائيلي شدد على أن الحرب المستمرة، التي قدّر كلفتها للاقتصاد الإسرائيلي بأكثر من 205 مليارات شيكل، تمثل عبئاً ثقيلاً لكنها في الوقت نفسه تُظهر تداخلاً واضحاً بين الأمن والاقتصاد. وأشار إلى أن “الخدمة الاحتياطية تكلف المال، والذخيرة تكلف المال، وإعادة تأهيل الجرحى مهمة ومكلفة، لكن كل ذلك يُطرح بشفافية أمام وزارة المالية.”
ورغم الضغوط، يرى برام أن الاقتصاد الإسرائيلي – بدعم أمريكي ثقيل – أظهر بعض المرونة، مشيراً إلى أن سعر صرف الشيكل مقابل الدولار أقوى الآن مما كان عليه قبل 07 أكتوبر 2023، وهو ما اعتبره دليلاً على بقاء الثقة بالاقتصاد حتى في ظل الحرب.
إلغاء إسبانيا صفقتين دفاعيتين بقيمة تتجاوز المليار يورو مع شركتين إسرائيليتين بارزتين هو أكثر من مجرد إجراء تجاري، فهو إشارة سياسية أوروبية واضحة بأن العلاقة العسكرية مع إسرائيل أصبحت مكلفة أخلاقياً وسياسياً، وفي الوقت نفسه، تكشف التحركات الإسبانية عن فرصة للشركات الأمريكية والأوروبية المنافسة لتعزيز مواقعها في السوق، على حساب الصناعات الإسرائيلية التي تجد نفسها محاصرة بين عزلة سياسية وضغوط اقتصادية متزايدة.
تبدو مدريد وكأنها دشّنت مزاجاً أوروبياً جديداً يربط التعاون العسكري مع إسرائيل بسلوكها في غزة، وهو مزاج قد يجد صدى لدى عواصم ثقيلة مثل باريس وبرلين. على المستوى الاجتماعي-النقابي، تتسع خلال الصيف موجة التحركات العمالية لعرقلة شحنات السلاح أو مكوّناته إلى إسرائيل؛ فقد أعلن عمّال موانئ أوروبيون مطالب صريحة بوقف الشحنات، وسُجّلت إغلاقات وتعطيلات في مرافئ فرنسية وإيطالية، بينما تحدّثت تقارير إسرائيلية يتتبَّعها بقش عن تحركات مشابهة في مطار شارل ديغول بعد اكتشاف شحنة فولاذ مخصص للصناعات الدفاعية الإسرائيلية. هذا المناخ النقابي يضغط على الحكومات حتى عندما لا تُصدر قرارات رسمية، ويحوّل “الامتثال الأخلاقي” إلى كلفة تشغيلية يومية لشركات الدفاع الإسرائيلية في أوروبا.