ماذا يحدث لسوق الأسهم السعودية.. خسائر متواصلة وضغط على أرامكو وسط رهانات على فرص استثمارية جديدة

الاقتصاد العربي | بقش
شهدت السوق المالية السعودية (تاسي) في الأيام الأخيرة تراجعات ملحوظة، حيث أغلق المؤشر العام عند مستوى 10,433 نقطة منخفضاً بنحو 0.18% في إحدى الجلسات، ليواصل سلسلة خسائره منذ بداية العام بما يقارب -11.5%. هذا الأداء الضعيف جعل السوق – بحسب بعض المحللين – من بين أضعف الأسواق أداءً عالمياً في 2025، وهو ما أثار قلق المتعاملين المحليين والدوليين على حد سواء.
السيولة المتداولة استقرت حول 3 مليارات ريال يومياً، وهو مستوى يوصف بالمتوسط، لكنه لم يكن كافياً لامتصاص موجات البيع المتتالية التي تضغط على المؤشر منذ أشهر وفق متابعة مرصد بقش. القطاعات القيادية، وعلى رأسها المصارف والبتروكيماويات والطاقة، تعرضت لضغوط متفاوتة، بينما فضّلت بعض المحافظ الكبرى تصفية مراكزها أو إعادة هيكلة استثماراتها، ما زاد من حدة التذبذبات.
هذا التراجع ترافق مع انخفاض شهية المستثمرين الأجانب، إذ أظهرت بيانات السوق خروجا تدريجياً لجزء من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، في مقابل دخول سيولة محلية مضاربية ركزت على أسهم صغيرة ومتوسطة الحجم، محاولة اقتناص فرص سريعة لتعويض الخسائر.
سهم أرامكو تحت المجهر
سهم أرامكو السعودية ظل في قلب المشهد، بعدما تراجع إلى نحو 23.16 ريال، وهو مستوى قريب من أدنى سعر له خلال العام. الشركة أعلنت عن أرباح صافية في الربع الأخير بلغت 22.7 مليار دولار، مقارنة بـ29.1 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي، وهذا التراجع يعكس تأثير أسعار النفط العالمية التي هبطت بفعل وفرة المعروض وضعف الطلب من الصين، أكبر مستورد للطاقة.
ورغم هذا الضغط، نجحت أرامكو في جمع 3 مليارات دولار عبر إصدار صكوك إسلامية، قُسمت على شريحتين: الأولى لأجل 5 سنوات بعائد 4.125%، والثانية لأجل 10 سنوات بعائد 4.625% وفق اطلاع بقش. الإقبال القوي من المستثمرين الدوليين أظهر أن الثقة في قدرة الشركة التمويلية ما زالت قائمة، حتى في ظل تراجع الأرباح.
لكن بالنسبة للمستثمرين الأفراد، لم تعد أرامكو القاطرة التي تجر السوق كما كانت عقب طرحها الأولي. فالسهم بات يعكس تذبذبات أسعار النفط أكثر من أي وقت مضى، ما جعله رهينة التطورات الجيوسياسية وقرارات تحالف “أوبك+”.
التحليل الفني والتوقعات القصيرة
التحليل الفني يوضح أن السهم يتحرك بالقرب من مناطق دعم حرجة عند 23 ريالاً. كسر هذا المستوى قد يفتح الباب أمام هبوط جديد نحو 22 ريالاً، بينما يحتاج أي ارتداد صاعد لاختراق مستوى 24.5 ريالاً لإعادة جذب سيولة جديدة.
الأداء في المدى القصير سيبقى مرهوناً بعاملين رئيسيين: مسار أسعار النفط، وقرارات تحالف “أوبك+”، لا سيما مع دخول السعودية مرحلة رفع الإنتاج في أكتوبر. أي صعود لأسعار خام برنت فوق 80 دولاراً للبرميل قد يدعم عودة الثقة بالسهم، في حين أن استمرار الهبوط يزيد احتمالات استمرار الضغط البيعي.
تسعى أرامكو إلى تعويض التذبذبات عبر تنويع استثماراتها في مجالات مثل البتروكيماويات، الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأزرق. كما تواصل الشركة خططها لطرح حصص إضافية في السوقين المحلي والدولي. غير أن هذه المشاريع تحتاج إلى وقت حتى تنعكس على النتائج المالية، وهو ما يجعل المستثمرين في حالة ترقب طويل الأجل، بانتظار ثمار الاستراتيجية الجديدة.
وفي مقطع متداول، وصف الدكتور أحمد المكلف أحد أبرز خبراء سوق الأسهم السعودية الوضع قائلاً: “السوق السعودي هو ثاني أسوأ سوق أداءً في العالم… إذا كنت مستثمراً في السوق السعودي فأنت اليوم تعتبر خاسر. السوق نزل 11.5% منذ بداية السنة”.
رغم هذه النظرة القاتمة، أضاف المكلف أن التراجع الحالي قد يمثل فرصة للشراء بأسعار منخفضة، مشيراً إلى قطاعات مثل البنوك (بنك البلاد)، الصحة (فقيه)، المرافق (الخريف)، النقل (BGT)، والموارد، باعتبارها قطاعات قادرة على تحقيق عوائد تصل إلى 20% خلال أشهر في حال حسن المستثمر إدارة محفظته.
هذا الطرح يعكس المزاج العام بين المستثمرين المحليين، حالة من القلق إزاء الأداء الراهن، مقابل إيمان بأن الأسعار الحالية قد تكون خصومات مغرية لمن يملك القدرة على الصبر وتحمل المخاطر.
مقارنة إقليمية ودور السيولة الحكومية
بينما تتفوق أسواق خليجية أخرى مثل الإمارات وقطر بأدائها هذا العام، يظل السوق السعودي أقل جاذبية بسبب ما يعتبره البعض ضعفاً في الشفافية وضبابية في بعض اللوائح التنظيمية. ومع ذلك، فإن قوة أرامكو والسيولة الضخمة التي تضخها الحكومة من خلال صناديقها الاستثمارية تمنح السوق عوامل أمان نسبية، وتقلل من احتمالات حدوث انهيار شامل.
المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد تركز على متانة الاقتصاد الكلي السعودي، مشيرة إلى أن الإصلاحات الجارية في إطار “رؤية 2030” تمنح الاقتصاد قاعدة صلبة، لكن التحدي الأكبر يكمن في قدرة الرياض على طمأنة المستثمرين وإقناعهم بأن السوق المحلي يتمتع بالشفافية والقدرة على النمو المستدام.
تاسي يمر بمرحلة دقيقة، وسهم أرامكو لم يعد المحرك القوي كما كان في السابق. الرهان اليوم ليس على أسعار النفط وحدها ولا على أدوات الدين، بل على قدرة الرياض على تقديم إشارات ثقة عبر إصلاحات تنظيمية وتوسيع قاعدة الاستثمار بعيداً عن الاعتماد المفرط على النفط.
من دون ذلك، ستظل فرص النمو مرتبطة بالمضاربات قصيرة الأجل، فيما سيبقى المستثمر طويل الأمد في حالة انتظار مؤلمة حتى تتضح الرؤية الاقتصادية والمالية بشكل أكبر.