الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

مرحلة جديدة من المهادنة التجارية.. أمريكا والصين تعلقان رسوم الموانئ

الاقتصاد العالمي | بقش

بعد الدخول في تهدئة تجارية مؤقتة بين أكبر اقتصادين في العالم، قررت الولايات المتحدة تعليق تحقيقها التجاري بشأن قطاع بناء السفن في الصين، ما دفع الأخيرة أيضاً إلى اتخاذ خطوة مماثلة عبر تجميد تحقيقها الخاص وتعليق فرض رسوم موانئ خاصة على السفن الأمريكية.

ووفق اطلاع “بقش” على وكالة بلومبيرغ، يخفف هذا التعليق المتبادل بعض التكاليف وحالة عدم اليقين التي واجهها قطاع الشحن، الذي كان مهدداً برسوم على السفن المتجهة إلى الولايات المتحدة، كما يُعد هذا الإجراء تنفيذاً لإحدى الاتفاقات التي توصّل إليها الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ خلال محادثاتهما في كوريا الجنوبية أواخر أكتوبر الماضي.

مكتب الممثل التجاري الأمريكي قال إن التحقيق الأمريكي سيتم تعليقه لمدة عام اعتباراً من منتصف ليل اليوم الإثنين.

بعد دقائق، أعلنت وزارة النقل الصينية تأجيل إجراءاتها في التوقيت نفسه، لمدة عام أيضاً. وقالت حسب اطلاع بقش إنها ستعلق رسوم الموانئ الخاصة على السفن المملوكة أو المشغلة من قبل الشركات والمنظمات والأفراد الأمريكيين.

ورغم أن الإجراء يبدو تقنياً أو إدارياً في ظاهره، إلا أن دلالاته تمتد إلى عمق العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، وتكشف عن مرحلة جديدة من التهدئة بعد سنوات من النزاعات الجمركية والتجارية التي أثرت على الأسواق العالمية وسلاسل الإمداد.

وكانت الرسوم بمثابة أداة ضغط رمزية واقتصادية، هدفت إلى موازنة الخسائر الصينية وردع الهيمنة الأمريكية في قطاع الشحن البحري، خاصة أن الولايات المتحدة كانت ولا تزال أحد أكبر مستخدمي الموانئ الصينية لتصدير واستيراد السلع، خصوصاً المنتجات التقنية والمكونات الصناعية.

دوافع القرار: من التصعيد إلى التفاهم

يأتي تعليق الرسوم بعد جولة محادثات اقتصادية وتجارية رفيعة المستوى بين الصين والولايات المتحدة في العاصمة الماليزية كوالالمبور، حيث توصّل الطرفان إلى “إجماع” غير معلن التفاصيل، يبدو أنه تضمن خطوات متبادلة لخفض التوتر وإعادة الثقة إلى بيئة التجارة العالمية.

ومن الواضح أن القرار الصيني يحمل دوافع متعددة أبرزها إعادة بناء الثقة التجارية، فواشنطن ترسل إشارة واضحة إلى بكين بأنها مستعدة لمرحلة جديدة من التعاون بدلا من المواجهة، خاصة في ظل تصاعد المخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي، وهي نفس الرسالة الصينية كما يبدو وفقاً لقراءة بقش.

ويُراد أيضاً دعم قطاع الشحن الصيني، فتخفيف الرسوم يتيح للسفن الأمريكية العودة إلى الموانئ الصينية بتكاليف أقل، ما يعزز النشاط التجاري في الموانئ الصينية، ويعيد الحركة إلى سلاسل الإمداد التي تأثرت خلال التصعيد.

مكاسب للطرفين واستراتيجية صينية

من المرجح أن يحقق هذا القرار انعكاسات إيجابية سريعة على أكثر من مستوى، فالشركات الأمريكية في مجالات الشحن والطاقة والحبوب ستحصل على إعفاء فعلي من رسوم كانت ترفع تكاليف النقل بشكل كبير، وذلك سيقلل من أسعار التصدير إلى الصين ويزيد القدرة التنافسية للبضائع الأمريكية في السوق الآسيوية.

أما بالنسبة للصين، فسيؤدي تدفق السفن الأمريكية مجدداً إلى تنشيط الموانئ الصينية الكبرى مثل شنغهاي وشنتشن وغوانزو، ما يعزز إيرادات الخدمات اللوجستية ويدعم الصناعات المرتبطة بها.

وبالنسبة للأسواق العالمية، فإن الخبر يضيف مزيداً من التفاؤل لدى المستثمرين وأسواق الأسهم، إذ يُعدّ مؤشراً على انفراج في العلاقات الاقتصادية العالمية بعد سلسلة من التوترات التي شملت ملف التكنولوجيا والرقائق والذكاء الاصطناعي.

ورغم الطابع الاقتصادي للقرار، إلا أنه يعكس رسائل سياسية محسوبة. فالصين لا تقدم تنازلاً مجانياً، بل تمارس دبلوماسية اقتصادية استراتيجية تهدف إلى كسب الوقت في ظل المتغيرات الجيوسياسية، خاصة الحرب في بحر الصين الجنوبي، إضافةً إلى تعزيز صورتها كقوة مسؤولة تسعى لاستقرار النظام التجاري العالمي، وتحييد الضغوط الأمريكية المتعلقة بـ”فك الارتباط” بين الاقتصادين.

بهذا المعنى، يمثل القرار خطوة ضمن استراتيجية “التهدئة المتبادلة” التي تهدف إلى الحفاظ على التوازن دون المساس بمصالح بكين الاستراتيجية أو طموحاتها الصناعية طويلة الأمد.

الاقتصاد العالمي: موجة تفاؤل حذرة

تعليق الرسوم لن يغير قواعد اللعبة فوراً استناداً إلى تقارير “بقش” السابقة، لكنه سيخلق بيئة أكثر استقراراً للتجارة العالمية في لحظة حرجة.

فمع تصاعد التوترات في البحر الأحمر وأزمات سلاسل الإمداد، فإن أي إجراء يخفف القيود البحرية ينعكس إيجاباً على كلفة النقل الدولي وأسعار السلع.

وتذهب تقديرات إلى انخفاض متوقع في كلفة الشحن البحري عالمياً بنسبة متوقعة بين 3% و5% خلال الأشهر المقبلة، وتحسين انسيابية التبادل التجاري بين آسيا وأمريكا، ما يخفف الضغط على الموانئ الأوروبية التي شهدت ازدحاماً في الأشهر الماضية، مع تعزيز الاستقرار المالي للأسواق الناشئة التي تتأثر مباشرة بتقلبات أسعار الشحن والنفط.

غير أن التفاؤل يظل حذراً، لأن التعليق مؤقت لمدة عام فقط، وقد يعاد النظر فيه بحسب التطورات السياسية والاقتصادية بين البلدين.

التعليق المتبادل بين أمريكا والصين لرسوم الموانئ على السفن الأمريكية يُقرأ كمؤشر على إعادة ضبط البوصلة الاقتصادية العالمية، فبينما كانت المرحلة السابقة تتسم بالرسوم والعقوبات والحروب التجارية، يبدو أن المرحلة القادمة ستعتمد على المرونة والبراغماتية في إدارة المصالح المتبادلة.

لكن يبقى السؤال مفتوحاً: هل يمثل هذا التعليق بداية عهد جديد من التعاون التجاري بين واشنطن وبكين، أم أنه استراحة تكتيكية مؤقتة قبل جولة جديدة من التنافس الاستراتيجي؟ الإجابة ستتضح خلال العام المقبل، حين تنتهي مدة التعليق وتبدأ مرحلة تقييم النتائج، ليس فقط في الموانئ، بل في قلب النظام التجاري العالمي بأسره.

زر الذهاب إلى الأعلى