الاقتصاد العالميالاقتصاد العربيمقالات
أخر الأخبار

مشروع “الممر الاقتصادي من الهند إلى أوروبا وأمريكا”.. حلم إسرائيلي لمنافسة قناة السويس

أحمد الحمادي – بقش

في خطوة تُذكّر بمحاولات تاريخية، أعلن البيت الأبيض في فبراير الجاري عن اتفاق بين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ورئيس الوزراء الهندي “ناريندا مودي” لإنشاء ما وصف بـ”أعظم طريق تجاري في التاريخ”، يمتد من الهند عبر الكيان الإسرائيلي إلى إيطاليا والولايات المتحدة، في إطار مشروع “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا”، الذي يُنظر إليه كمنافس محتمل لقناة السويس. لكن هذا الإعلان يطفو فوق بحر من التعقيدات الجيوسياسية المتجذرة منذ القرن العشرين.

تعود المحاولات الأولى لخلق بديل لقناة السويس إلى عام 1956، عندما اجتمعت مصالح استعمارية لإسقاط قرار الرئيس المصري الأسبق “جمال عبدالناصر” بتأميم القناة. آنذاك، دبرت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل “العدوان الثلاثي”، الذي فشل تحت ضغط دولي، خاصة بعد تهديدات الاتحاد السوفيتي بالتدخل.

رغم الفشل العسكري، استمرت التطلعات الإسرائيلية لإنشاء ممرات بديلة، بدءاً من مقترح “قناة بن جوريون” عبر صحراء النقب، والذي واجه تحديات هندسية هائلة، وصولاً إلى أفكار استخدام التفجيرات النووية لحفر قناة، كما ورد في وثائق أمريكية رُفعت عنها السرية لاحقاً.

مشروع “الممر الاقتصادي”: تحالف دولي أم لعبة جيوسياسية؟

في مطلع الألفية، برز بنيامين نتنياهو كأبرز المهووسين بفكرة منافسة القناة المصرية، وعام 2003، كوزير للمالية، روج لخط سكك حديدية يربط إيلات بالبحر المتوسط، قائلاً إنه سيختصر زمن الشحن مقارنة بقناة السويس.

لكن الخبراء شككوا في جدواه، مشيرين إلى أن نقل حمولة سفينة واحدة يتطلب 50 قطاراً، ما يجعله مكلفاً وغير عملي. رغم ذلك، وافقت الحكومة الإسرائيلية على المشروع عام 2012، لكنه ظل حبيس الأدراج بسبب عقبات مالية.

في سبتمبر 2023، أُعلن عن المشروع الأضخم: “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا”، بدعم من الولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي ودول عربية، كالسعودية والإمارات.

يُفترض بالمشروع ربط الهند بأوروبا عبر شبكة سكك حديدية تمر بالخليج والأردن وإسرائيل، ثم إعادة الشحن بحراً من موانئ تقع تحت سيطرة الكيان إلى أوروبا.

الهدف المعلن كان تحدي النفوذ الصيني عبر مبادرة “الحزام والطريق”، وإدماج إسرائيل في شبكة اقتصادية إقليمية، لكن المشروع واجه شكوكاً حول قدرته على منافسة قناة السويس، التي تنقل 12% من التجارة العالمية بتكلفة وزمن أقل.

زلزال أكتوبر 2023: كيف قلب “طوفان الأقصى” المعادلات؟

بعد أسابيع قليلة من إعلان “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا”، دخلت المنطقة في دوامة عنف غير مسبوقة مع هجوم “طوفان الأقصى” في 07 أكتوبر 2023، وما تلاه من حرب إبادة إسرائيلية على غزة، والتي خلفت أكثر من 48 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين، وفق إحصائيات أممية.

هذه الأحداث أعادت المنطقة إلى أجواء الصراع الكلي، حيث أضحت الأحلام الاقتصادية رهينة المواجهات العسكرية. تصريحات ترامب الداعمة لتهجير سكان غزة، وتأييد نتنياهو لها، زادت من عزلة إسرائيل، مما يعقد أي تعاون عربي مع المشروع.

التحديات القائمة: بين الجغرافيا والإمكانات الحقيقة

رغم الضجة الإعلامية، يواجه “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” عقبات جوهرية، على رأسها الاستثمارات الهائلة، حيث تقدر تكلفة البنية التحتية بمليارات الدولارات، مع عدم ضمان عائد مجزٍ.

بالإضافة إلى ذلك يأتي الاستقرار الإقليمي، فالجدوى الاقتصادية الحقيقية تعتمد على تطبيع العلاقات العربية-الإسرائيلية، وهو الأمر الذي بات هشاً بعد الحرب على غزة، وتكشف النوايا الحقيقية للكيان.

وإذا لم يكن كل ذلك كافياً، فإن المنافسة مع قناة السويس التي تتمتع بميزات تاريخية وعملية مثل عدم الحاجة إلى تفريغ الحاويات، وانخفاض التكلفة، يكشف قطعاً عدم جدوى إنشاء مسار طويل ومكلف كهذا.

وبينما تُعيد المشاريع الغربية-الإسرائيلية إحياء أحلام القرن الماضي، تظل قناة السويس رمزاً للسيادة المصرية، وقوة ناعمة يصعب تجاوزها. والأيام القادمة ستكشف إن كان “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” مجرد ورقة ضغط جيوسياسي، أم أن التحالفات الجديدة قادرة على تغيير خريطة التجارة العالمية، في ظل منطقة تغلي بالغضب والدماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى