مشروع جديد بـ 44 مليار دولار.. ترامب يتحرك لإعادة تشكيل خريطة الطاقة الآسيوية بالغاز الأمريكي

بقش
22 فبراير 2025
في إطار سعيها لتعزيز الهيمنة الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة، تتبنى إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” خطة طموحة لإعادة تشكيل تدفقات الطاقة نحو آسيا عبر تصدير الغاز الطبيعي المسال من ألاسكا، في خطوة تهدف إلى تقليل الاعتماد الآسيوي على مصادر الطاقة التقليدية وتحويل حلفاء أمريكا في القارة الأكبر إلى سوق أساسية للغاز الأمريكي.
خلال لقاء غداء جمع ترامب برئيس الوزراء الياباني “شيجيرو إيشيبا” في فبراير الجاري، احتل مشروع تصدير الغاز الطبيعي المسال من ألاسكا مركز النقاش.
وفقاً لمسؤولين مطلعين، قدّم ترامب ووزير الداخلية الأمريكي دوج بورغوم، الذي يترأس أيضاً المجلس الوطني للهيمنة على الطاقة، المشروع كحل ثنائي لحل كلٍّ من: تقليل العجز التجاري مع اليابان، وتأمين مسار بديل لإمدادات الطاقة الآسيوية بعيداً عن الشرق الأوسط.
من جانبه، أبدى إيشيبا تفاؤلاً حذراً تجاه المشروع البالغة تكلفته 44 مليار دولار، رغم شكوك طوكيو حول جدواه الاقتصادية. وأشار مسؤولون يابانيون إلى أن رئيس الوزراء أكد رغبة بلاده في “المشاركة” في المشروع، مع تجنب الإعلان العلني عن التفاصيل تجنباً لإثارة توترات تجارية، حسب متابعات بقش.
استراتيجية ترامب: تحويل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان إلى أكبر سوق للغاز الأمريكي
وصف “بورغوم” تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى آسيا بأنه “ركيزة استراتيجية” لتعزيز الاستقرار العالمي وخفض العجز التجاري الأمريكي.
وكشفت مقابلات أجرتها “رويترز” مع أكثر من 12 مسؤولاً أمريكياً وآسيوياً أن الإدارة تسعى لربط الحلفاء الآسيويين -مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان- في واشنطن عبر استثمارات ضخمة في البنية التحتية للوقود الأحفوري، مما يُضعف الاعتماد على الصين وروسيا.
“كينيث وينشتاين”، رئيس قسم اليابان في معهد هدسون، أوضح أن تدفق الغاز الأمريكي إلى آسيا سيعيد رسم خريطة التبعية الطاقية: “سيصبح جنوب شرق آسيا معتمداً اقتصادياً على الولايات المتحدة”.
وتُعتبر اليابان، وهي ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال عالمياً، عاملاً محورياً لهذه الاستراتيجية. فإضافةً إلى استيرادها 10% من احتياجاتها من الغاز من الولايات المتحدة، تمتلك طوكيو بنية تحتية قادرة على إعادة تصدير الفائض إلى دول جنوب شرق آسيا، وفقًا لتصريحات بيل هاجرتي، السفير الأمريكي السابق في اليابان.
ومن المتوقع أن تصل الواردات اليابانية من الغاز الأمريكي إلى 20% خلال العقد المقبل، مع انتهاء العقود الحالية مع روسيا و أستراليا، التي توفر حاليًا 40% من احتياجات اليابان.
التحديات اللوجستية والاقتصادية: خط أنابيب بطول 800 ميل
يواجه المشروع عقبات جسيمة، أبرزها بناء خط أنابيب يمتد 800 ميل عبر التضاريس القاسية في ألاسكا، وصولاً إلى محطة تصدير على ساحل المحيط الهادئ.
رغم ذلك، تروج الإدارة الأمريكية للمزايا الاستراتيجية للمشروع، مثل قربه الجغرافي من آسيا مقارنة بالشرق الأوسط، وتجنب نقاط الاختناق البحرية الحساسة مثل مضيق هرمز وبحر الصين الجنوبي.
دان سوليفان، عضو مجلس الشيوخ عن ألاسكا، أكد أن الاجتماعات شملت استخدام خرائط لتوضيح المزايا الأمنية، مشيراً إلى أن “الرئيس ترامب بذل جهداً غير مسبوق لدفع المشروع”.
ولا تقتصر الخطة على اليابان، بل تمتد إلى حلفاء آخرين، فتايوان تدرس زيادة مشترياتها من الغاز الأمريكي، بما في ذلك مشروع ألاسكا، كضمانة أمنية ضد التهديدات الصينية.
وكوريا الجنوبية تتفاوض على استثمارات في مشروعات الغاز الأمريكي مقابل تنازلات تجارية. أما بالنسبة للهند، فقد تعهد رئيس وزرائها “ناريندرا مودي” بدعم واردات الغاز خلال آخر لقاء بترامب.
البيانات والأرقام: خريطة تدفقات الغاز الحالية
تحاول الجهات المطورة للمشروع جذب استثمارات من شركات كبرى مثل إنبكس اليابانية، التي تملك الحكومة حصة كبيرة فيها، رغم تحفظ الشركة على الإدلاء بتصريحات علنية. كما تُعد محطة كوستا أزول في المكسيك -المزودة بالغاز الأمريكي- نقطةً محورية لتعزيز الصادرات نحو آسيا عبر الساحل الغربي.
الولايات المتحدة صدرت 119.8 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال عام 2023، ذهب ثلثها إلى آسيا. وتعتمد اليابان حالياً على أستراليا (40%)، وروسيا (10%)، والولايات المتحدة (10%).
ومن المتوقع أن تبدأ محطة كوستا أزول عملياتها التجارية عام 2024، مما سيعزز التصدير عبر المحيط الهادئ.
وفي بيان مشترك، اتفق وزراء خارجية اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة على تعزيز أمن الطاقة عبر “إطلاق العنان” للإمدادات الأمريكية، دون ذكر مشروع ألاسكا صراحة. من جهته، أشار المتحدث باسم البيت الأبيض إلى أن اليابان “يمكنها لعب دور أكبر في شراء الطاقة الأمريكية”.
وتعكس خطة ترامب رؤيةً لتحويل الطاقة إلى أداة نفوذ، تجمع بين المصالح الاقتصادية (خفض العجز التجاري) والأمنية (مواجهة النفوذ الصيني-الروسي). ورغم التحديات، فإن نجاح المشروع قد يُعيد رسم التحالفات الإقليمية، ويجعل الغاز الطبيعي المسال الأمريكي عصباً لاقتصادات آسيا في العقود المقبلة، ما يعني هيمنة أمريكية مطلقة على الاقتصادات الآسيوية الكبرى.