
الاقتصاد اليمني | بقش
خلال مساء أمس السبت واليوم الأحد، شهدت مدينة عدن انخفاضاً حاداً ومفاجئاً في أسعار صرف العملات الأجنبية، حيث تراجع الدولار والريال السعودي بنسبة تجاوزت 10% خلال ساعات قليلة وفق معلومات مرصد بقش، حتى وصل صرف الريال السعودي إلى ما بين 290 ريالاً و330 ريالاً، هبوطاً من 428 ريالاً، في حين بلغ سعر بيع الدولار أكثر قليلاً من 1250 ريالاً.
خبراء اقتصاد وصفوا الانخفاض بأنه غير حقيقي وليس انعكاساً لحالة تعافٍ اقتصادي حقيقي، ويمثل مضاربة عكسية. الاقتصادي وحيد الفودعي قال إن المضاربة ال تنشط إلا عند صعود سعر صرف الدولار، لكن الحقيقة أن المضاربة العكسية أشد خطراً، أي أن يقوم كبار المضاربين بخفض السعر بشكل مصطنع لدفع الناس للبيع، ثم يعاودون الشراء بسعر منخفض لتحقيق أرباح عند عودة السعر للارتفاع.
وما يحدث جريمة مكتملة الأركان، والمواطن هو الضحية، وفقاً للفودعي، ومن يشتري الآن العملة الصعبة هم التجار والصرافون وكبار الهوامير، من خسروا أثناء الهبوط الأول.
وثمة من نصح المواطنين ببيع العملات الأجنبية التي لديهم، وسط انخفاض الصرف الراهن، مثل الصحفي فتحي بن لزرق. لكن آخرين، مثل الفودعي، دعوا إلى عدم التسرع وعدم بيع العملات الصعبة لمجرد أن السعر هبط والظن أنه سيهبط أكثر، وأشار الفودعي: “حتى لو انخفض السعر قليلاً، تبقى العملة الصعبة آمنة وقيمتها محفوظة، بينما الريال اليمني يظل عرضة للتقلب والاهتزاز، في مثل هذه الظروف المضطربة، الاحتفاظ بالعملة الصعبة أفضل من التفريط بها”.
فوضى وعبث بالقيمة الواقعية
الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري أكد أن ما يحدث الآن في سوق الصرف من “فوضى وعبث بالقيمة الواقعية للعملات الأجنبية” هو نتاج لعودة المضاربات العكسية بالعملة ولا علاقة للبنك المركزي ومعالجاته المصرفية أو الإصلاحات الاقتصادية الحكومية بذلك، وانما نتاج لفقدانهما -حكومة عدن والبنك المركزي- السيطرة تماماً على زمام الأمور والتحكم بالسوق لليوم الثاني.
ويأسف الداعري تجاه مخاوف حقيقية من ارتدادات خطيرة لهذه الفوضى، على مصير ثبات استقرار الصرف عند مستويات هذا الشهر، وهو ما يستدعي سرعة الانعقاد الدائم للجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات وإصدار بياناتها التوضيحية بشكل مباشر ومستمر لطمأنة السوق وإثبات قدرتها على مجاراة هذا التحسن غير المنطقي المتسارع بقيمة العملة المحلية على حساب القيمة العادلة للعملات الأخرى.
فذلك يتسبب في خسائر لدى أهالي المغتربين والمحتفظين بمدخرات من العملات الصعبة مقابل تحقيق مكاسب لصالح المضاربين والتجار الرافضين لإعادة تخفيض الأسعار بسبب غياب الضبط والرقابة الحكومية وتطبيق العقوبات الردعية الكافية بحقهم كالسجن والإغلاق وشطب سجلاتهم التجارية وفرض غرامات مالية كبيرة تجبرهم على إعادة تقييم حساباتهم وتمكين المواطن من التماس الأثر الإيجابي لتحسن الصرف.
من جهته أوضح الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي أن ما يحدث في سوق الصرف بعدن ليس سوى انعكاس طبيعي لغياب أدوات السياسة النقدية الفعّالة، مؤكداً أن أي انخفاض مفاجئ بهذا الحجم لا يمكن أن يُبنى عليه تفاؤل اقتصادي.
وأكد في تعليق لـ”بقش” أن العملة الوطنية لا تستعيد قيمتها بهذه السرعة إلا إذا كان هناك تدخل مصطنع أو مضاربة غير منضبطة، أما في الوضع الراهن فلا توجد إصلاحات اقتصادية جوهرية أو تحسن في المؤشرات الحقيقية يبرر ما جرى.
مضيفاً: “استمرار المضاربات بهذا الشكل يعني أن السوق بات مرتهناً لكبار المتعاملين الذين يملكون السيولة والقدرة على التحكم بالمزاج العام، فيما يقف المواطن العادي عاجزاً عن حماية مدخراته، والخطر الأكبر أن يتحول هذا التذبذب إلى حالة دائمة، فيفقد الناس ثقتهم الكاملة بالعملة المحلية، وهذا أخطر من أي تراجع مؤقت”.
كما شدد على ضرورة أن يتدخل البنك المركزي عبر حزمة إجراءات عاجلة، منها إصدار بيانات يومية توضيحية لضبط الشائعات، وفرض رقابة مباشرة على شركات الصرافة وإلزامها بالتعامل وفق أسعار معلنة، وتفعيل العقوبات بحق المضاربين والمخالفين.
ولا يمكن تحقيق استقرار نقدي حقيقي دون وجود مؤسسات قوية قادرة على فرض النظام، وفقاً للحمادي، أما ترك السوق نهباً للمضاربين فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الأزمات التي يدفع ثمنها المواطن البسيط والمغتربون على حد سواء.
ورأى البعض أن انخفاض الصرف ناجم عن صدمة سياسية غير مسبوقة، بعد إعلان حكومة صنعاء عن استهداف رئيس وزراء الحكومة وعدد من الوزراء في الغارات الإسرائيلية التي حدثت يوم الخميس الماضي. وأفاد اقتصاديون، كوحيد الفودعي، أنه بعد هذا الإعلان بدأت موجة بيع محمومة للعملة الأجنبية دفعت السعر إلى الهبوط السريع، معتبراً أن هذا السلوك لا يعكس قوة حقيقية للريال اليمني ولا تحسناً في الاقتصاد، وإنما ارتباك نفسي ومضاربة عكسية لحظية مرتبطة بالحدث السياسي؛ مضيفاً أن ما حدث يذكرنا بأن سوق الصرف في اليمن رهينة للتطورات السياسية والأمنية والعسكرية أكثر مما هو خاضع لمعادلات العرض والطلب.