من خلال فرض شروط مُذلّة.. صندوق النقد الدولي يخنق مصر بالديون ويدفع بها إلى الغلاء

الاقتصاد العربي | بقش
حالة من الاضطراب أصابت مجتمع المال والأعمال والأسواق بسبب التقرير الأخير لـ”صندوق النقد الدولي” بعنوان “نموذج الاقتصاد المصري بحاجة إلى مراجعة جذرية”، حيث يتخوف المستثمرون من شدة التحذيرات التي استخدمها الصندوق بعنف لأول مرة، مؤكداً في تقريره عدم قدرة الاقتصاد المصري على الصمود في مواجهة معدلات التضخم وشحّ العملة المصرية ومخاطر الدين العالية وضعف الشفافية والحوكمة.
اللهجة الحادة تجاه مصر قد تدفع البلاد إلى موجة غلاء حادة في أسعار السلع والخدمات، مدفوعةً بعدم رغبة الصندوق في إنهاء المراجعة الخامسة للاقتصاد واقترانها بالمراجعة السادسة المقرّرة في نهاية العام، ما يعني أن تمرير القرضَين المرتبطَين بالمرحلتَين سيتأجلان إلى فترة زمنية تفوق المقرّر لها في سبتمبر 2025، إلى شهر فبراير 2026، أو لحين اجتماعات مجلس إدارة الصندوق في الربيع القادم 2026.
ويريد الصندوق التأكد من تنفيذ حكومة مصر أحد أهم شروطه لتمرير القروض الجديدة، وهو التحرير الكامل لأسعار المحروقات والكهرباء، مع التزامها بعدم الاقتراض أو إصدار أدوات دين خارجي، بعد أن بلغت القروض حداً لا يمكن أن يستوعب الاقتصاد المصري أي زيادة بها.
مصر تغرق في الديون وتقع تحت وصاية الصندوق
وفق تحليلات مرصد “بقش”، أصبحت مصر ثاني أكبر مدين في العالم بعد الأرجنتين، وتعاني من شروط صندوق النقد التي تبدو شروطاً “مذلة”، حيث يطالب الصندوق بعدد من المطالب أبرزها خفض الإنفاق ورفع أسعار الفائدة وإلغاء الدعم، مما يضر بالاقتصادات المحلية. وهنا تشير تقارير “بقش” إلى أن تجربة “ماليزيا” كانت مثالاً حياً على عدم الرضوخ لشروط الصندوق مقابل العمل على ازدهارها، حيث رفضت ماليزيا الاقتراض من هذا الصندوق أثناء الأزمة الآسيوية وكانت أول دولة تخرج من الأزمة.
وتتجرع مصر، كغيرها من الدول المدمنة على الاقتراض، سموم الهيمنة الغربية على المؤسسات المالية الدولية، لكون رئيس البنك الدولي أمريكياً ورئيس صندوق النقد أوروبياً، بينما تملك الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض على جميع القرارات المهمة بحكم حصتها التصويتية البالغة 18%.
بالنسبة لديون مصر، يشير تقرير الصندوق، الذي اطلع عليه بقش، إلى زيادة في الدين الخارجي لمصر، تصل إلى 162.7 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، ترتفع إلى 174.1 ملياراً في يونيو 2026، و181.8 ملياراً في منتصف عام 2027، و190.3 ملياراً في 2029 و202 مليار في عام 2030.
ويرى اقتصاديون مصريون أن أهم توابع تقرير صندوق النقد أن الحكومة المصرية أصبحت ملزمة بوقف دعم الوقود والكهرباء، بنهاية العام 2025، وزيادة الدخل من الضرائب خاصة على الوحدات العقارية الجديدة، وإعادة تسعير القائم منها، ودخول مجموعة من السلع الجديدة، كالشاي والسكر وغيرهما تحت شريحة ضريبة المبيعات، وتصفية مشاريع حكومية وعامة، بغض النظر عن قيمة الأصول، ولكن للتخلص من أعبائها المالية وعمالتها، مع عدم السماح للحكومة بالحصول على قروض جديدة تسدّد القروض القديمة، بما يعيد شحّ العملة التي ستتأثر أيضاً بتراجع عوائد قناة السويس نتيجة أزمة البحر الأحمر.
ويرى اقتصاديون أيضاً أن موجات غلاء ستبدأ في مصر خلال شهر سبتمبر 2025 على الأقل، مؤكدين أن موجة غلاء بدأت بالفعل من خلال فرض زيادة طفيفة في أسعار المواد الغذائية والسجائر واللحوم خلال الأسبوعَين الماضيين، مع الاستعداد لفرض زيادة في أسعار الوقود والغاز والمياه خلال سبتمبر.
هذه الشروط التي فرضها الصندوق وضعت الاقتصاد المصري في أكبر موقف حرج، وقد استغلها الصندوق في التقرير بقوله إن مصر امتازت بوضع سيء في كل المؤشرات الدولية الخاصة بغياب الشفافية والحوكمة والعدالة القضائية والكفاءة الاقتصادية والرقابة الشعبية وحرية تداول المعلومات، بما يضعف من قدرة مصر على الخروج من عباءة الصندوق.
هذا ويُنظر إلى الصندوق باعتباره أصبح وصياً على قرارات ومعاملات مصر الدولية، مع حاجتها المستمرة للحصول على شهادة منه، تمكّنها من الحصول على قروض والسير في سياسة مالية أحادية الجانب، لا تدفع لنمو حقيقي، وإنما تزيد الضغوط على العملة المحلية التي تتراجع بسبب تزايد الديون الخارجية والمحلية.