الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

منح وقروض أوروبية جديدة لمصر.. إدمان الديون يعمق الأزمات ويهدد الاستقرار الاجتماعي

وقّعت مصر والاتحاد الأوروبي، اليوم الاثنين، اتفاقية تمويل مشترك بقيمة 90 مليون يورو لدعم مشروع “المرونة الغذائية في مصر”، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الجانبين لمواجهة التحديات العالمية في قطاع الغذاء، وفق التصريحات الرسمية.

وشهد التوقيع حضورًا رفيع المستوى ضم الدكتورة “رانيا المشاط”، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، والدكتور “شريف فاروق”، وزير التموين، إلى جانب “دوبرافكا سويكا”، المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط، و “جيلسومينا فيجليوتي”، نائبة رئيس بنك الاستثمار الأوروبي.

وفي الوقت الذي تُروج فيه الحكومة المصرية لاتفاقية التمويل أوروبية الجديدة التي تستهدف دعم مشروع الصوامع، تتصاعد تحذيرات من خبراء اقتصاديين ومنظمات دولية من أن سياسة الإفراط في الاعتماد على القروض الخارجية تُفاقم الأزمات الهيكلية للاقتصاد المصري، وتزيد من تبعيته للدائنين، وسط مؤشرات مقلقة تُظهر أن خدمة الديون تستنزف ما يقرب من 44% من إيرادات الدولة خلال العام الجاري، وفقاً لبيانات رسمية صادرة عن وزارة المالية.

تفاصيل الاتفاقية: منح وقروض ميسرة لدعم الصوامع الوطنية

تتضمن الاتفاقية حزمة تمويلية مُشتركة تشمل:

  • منحة بقيمة 100 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي.
  • تمويلًا ميسرًا بقيمة 110 ملايين يورو من البنك الدولي.

وذكر بيان رسمي أن هذه الأموال ستُوجَّه لتطوير البنية التحتية لتخزين الحبوب وتحسين الخدمات اللوجستية التابعة للهيئة العامة للسلع التموينية، وذلك في إطار المشروع القومي لصوامع الغلال، الذي يهدف إلى زيادة القدرة التخزينية لمصر وتعزيز كفاءة استيراد القمح من الأسواق العالمية.

إلى ذلك، تشهد الديون الخارجية لمصر ارتفاعاً متسارعاً، حيث قفزت من 37 مليار دولار عام 2010 إلى 165.3 مليار دولار بنهاية 2023، بحسب البنك المركزي المصري، فيما تستهلك خدمة هذه الديون ما يقرب من 35% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ15% في 2015، وفقاً لتحليلات صندوق النقد الدولي.

ويأتي الدعم الأوروبي الجديد – الذي يحوي مجموعة من القروض – ليزيد من عبء محفظة الديون التي تتطلب سداد 30 مليار دولار سنوياً حتى 2026، مما يضع البلاد في حلقة مفرغة من الاقتراض لسداد ديون متراكمة.

وترتبط هذه القروض بشروط إصلاحية قاسية تفرضها الجهات المانحة، مثل الاتحاد الأوروبي، تشمل تحرير سعر الصرف الذي تسبب في فقدان الجنيه 70% من قيمته منذ 2022، وارتفاع التضخم إلى 36%، أعلى مستوى في أربعة عقود.

كما تستهدف الشروط خفض دعم الطاقة بنسبة 50% بحلول 2025، مما يهدد بموجة غلاء جديدة، وخصخصة أصول الدولة، كما حدث مع حصص في شركات القومية للأسمنت والنصر للسيارات، والتي بيعت بأسعار أقل من قيمتها السوقية وفق تقارير رقابية.

رغم توجيه القرض الأوروبي المعلن لتمويل صوامع القمح، تتعارض هذه الخطوة مع واقع معيشي مُر، حيث خفضت الحكومة حصة الفرد من الخبز المدعم إلى 3 أرغفة يومياً بعد أن كانت 5، في وقت انخفضت فيه الاحتياطيات الاستراتيجية من القمح من 8 أشهر عام 2019 إلى 5.6 أشهر حالياً، وفق بيانات الهيئة العامة للسلع التموينية.

ولا تزال مصر تستورد 65% من احتياجاتها من القمح، وفق منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، مما يجعلها رهينة لتقلبات الأسعار العالمية، خاصة مع استمرار الأزمة الأوكرانية.

يحذِّر الخبير الاقتصادي د. وائل النحاس من أن “القروض الجديدة تُشبه مسكِّنات تُعالج الأعراض دون المرض، فمصر تنفق 3 دولارات لسداد ديون قديمة مقابل كل دولار قرض جديد”، فيما يرى د. عمرو عادلي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن “شروط التمويل الأوروبي تكرِّس نموذجاً ليبرالياً متوحشاً يزيد الفقراء فقراً عبر رفع الدعم وفرض ضرائب غير مباشرة”.

التاريخ المصري الحديث يحمل سجلاً مليئاً باتفاقيات قروض فاشلة، فقرض البنك الدولي بقيمة 12 مليار دولار عام 2016، الذي اشترط تحرير سعر الصرف، لم يمنع مصر من البقاء في صدارة مستوردي القمح عالمياً.

وبالتوازي لم تُحقق منحة الاتحاد الأوروبي البالغة 56.7 مليون يورو في 2023 أي تحسن ملموس، حيث ارتفعت أسعار الخبز 40% خلال عام واحد. Even مشروع صومعة غرب بورسعيد عام 2021، المدعوم دولياً، لم يُخفِّض فاتورة الاستيراد التي قفزت من 4.5 إلى 6.1 مليار دولار سنوياً.

في المقابل، تتجاهل الحكومة حلولاً جوهرية لتعزيز الأمن الغذائي، مثل استصلاح الأراضي، حيث أُهمل مشروع المليون فدان، وتراجعت المساحة المزروعة قمحاً من 3.2 مليون فدان إلى 2.7 مليون. كما لا تزال 80% من الزراعات تعتمد على تقنيات تقليدية مُهدرة للمياه، بينما تتحكم 5 شركات فقط في 70% من استيراد القمح، وفقاً لتقرير نشرته منصة “الشمرا” الاستثمارية.

على الأرض، يتحمل الفقراء العبء الأكبر عبر سياسات مالية قاسية، حيث تأتي 70% من إيرادات الضرائب من ضرائب غير مباشرة تُثقل كاهل محدودي الدخل، بينما تُوجَّه 80% من القروض إلى مشاريع استهلاكية مثل الكورنيشات والأبراج السكنية، بدلاً من الاستثمار في قطاعات إنتاجية.

في هذا السياق، يبدو الاتفاق الأوروبي الجديد حلقة في سلسلة إفقار منهجية، تتحول معها مصر من دولة تسعى للتنمية إلى “دولة ريعية” تبيع أصولها وتستجدي القروض لسد عجز ديون لا تنتهي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى