موجة جنونية لشراء الذهب.. لماذا تلجأ البنوك المركزية العالمية للأصفر النفيس؟

الاقتصاد العالمي | بقش
هناك اندفاع غير مسبوق للبنوك المركزية نحو شراء الذهب، في مؤشر جديد على أن العالم يتغير بسرعة، وأن قواعد اللعبة النقدية التقليدية تهتز من جذورها.
ووفق اطلاع “بقش” على بيانات “مجلس الذهب العالمي”، جاءت قفزة أكتوبر لتقلب الطاولة، إذ اشترت البنوك المركزية 53 طناً من الذهب خلال شهر واحد، بارتفاع 36% مقارنة بشهر سبتمبر، ليصبح أعلى معدل شهري هذا العام.
هذا الشهر كان امتداداً لربع ثالث ملتهب، إذ سجلت البنوك المركزية مشتريات رسمية بلغت 220 طناً بصافي صعود، بزيادة 28% عن الربع الثاني، ومتجاوزة متوسط خمس سنوات.
مشتريات الدول.. وبولندا اللاعب الأبرز
ضمن مشهد عالمي محتدم، برزت بولندا كلاعب محوري، فقد أضافت 16 طناً في أكتوبر لترفع احتياطياتها إلى 531 طناً، ويشكل الذهب حالياً 26% من إجمالي احتياطياتها، في حين تخطط للوصول إلى 30% قريباً.
وقال محافظ البنك المركزي البولندي: “الذهب هو الاستثمار الأكثر أماناً، وهو رمز الاستقرار، ولا يخضع لأي سياسة اقتصادية محلية”.
كما أضافت البرازيل 16 طناً في أكتوبر و 15 طناً في سبتمبر، في أول زيادة منذ 2021، وارتفعت احتياطيها إلى 161 طناً (6% من إجمالي الاحتياطيات).
أيضاً تعتمد أوزبكستان على نمط “شراء مقابل إنتاج محلي”، إذ باعت 4 أطنان في سبتمبر، ثم اشترت 9 أطنان في أكتوبر.
وفي تركيا أضيفت 3 أطنان لتستمر سلسلة شراء متواصلة منذ 29 شهراً منذ منتصف 2023.
كما اشترت التشيك الذهب منذ 32 شهراً متتالياً، وأضافت 2 طن في أكتوبر، ووصلت الاحتياطيات إلى 69 طناً، وتخطط لبلوغ 100 طن بحلول 2028.
وبدورها بلغت مشتريات الصين خلال سنة 400 طن، لتصل الاحتياطيات الرسمية إلى أكثر من 2,300 طن (7% من الاحتياطي العام).
لكن القنبلة التي فجرتها التقارير التي تابعها بقش هي أن الصين تخفي احتياطيات غير معلنة تتجاوز 5,000 طن مخزنة في بكين، وبدأ الإعلام العالمي يتحدث عن “الفجوة الصفراء” بين الأرقام الرسمية والاحتياطي الفعلي للصين.
أما روسيا فكانت الدولة الوحيدة التي باعت كمية ذات قيمة، تبلغ 3 أطنان فقط، لدعم الروبل في ظل العقوبات والضغوط الاقتصادية الغربية.
2024 عام الذهب التاريخي
تكشف البيانات التي جمعها بقش أن العام الماضي 2024 كان مفصلياً، حيث بلغ صافي الزيادة الرسمية في احتياطيات الذهب 1,044 طناً، ويُعد العام الـ15 على التوالي من التوسع الذهبي، وهو ثالث أكبر توسع مسجل منذ عام 1950، بعد 2022 و2023.
وللمقارنة، متوسط الزيادة السنوية بين 2010 و2021 كان 473 طناً فقط، ما يعني أن الطلب تضاعف أكثر من مرة في أقل من 10 سنوات.
تجنب أمريكا.. عوامل الاندفاع نحو الذهب
يؤكد مجلس الذهب العالمي أن الدول تريد تنويع الاحتياطيات والهروب التدريجي من الأصول الأمريكية.
فالدول لم تعد تثق بالدولار كما السابق، خاصة بعد تصاعد التوترات الجيوسياسية واستخدام الدولار كسلاح اقتصادي، إضافةً إلى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، وخفض صندوق النقد توقعات نمو الولايات المتحدة بسبب عدم اليقين السياسي. وهذا يعطي دولاً أخرى مساحة أكبر في المفاوضات، ويجعل الذهب تأميناً سيادياً ضد أي اضطرابات.
ويورد تقرير مجلس الذهب العالمي أن 95% من البنوك المركزية تتوقع ارتفاع الاحتياطيات عالمياً خلال 12 شهراً، و43% منها تدرس زيادة احتياطياتها الخاصة.
وبالنتيجة، بدت السنوات الثلاث الأخيرة –2022 و2023 و2024– بمثابة إعلان صامت لنظام عالمي جديد، وتؤكد القفزة الحالية في 2025 أن العالم يتحرك بسرعة أكبر نحو اقتصاد متعدد الأقطاب، حيث يصبح الذهب جزءاً أساسياً من عصب القوة السيادية، وأن العالم أمام لحظة فاصلة في تاريخ المال الدولي.


