
تقارير | بقش
يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه أمام فرصة نادرة لإعادة تشكيل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بعد استقالة العضوة أدريانا كوغلر. هذه التطورات أعادت إلى الواجهة نقاشاً قديماً حول مدى قدرة الرئاسة على التأثير في السياسة النقدية، وما إذا كان البيت الأبيض يسير نحو تدخّل أوسع في مؤسسة لطالما عُدّت “مستقلة نظرياً”.
ورغم أن السيناريوهات المتطرفة مثل “تسييس كامل للفيدرالي” تبدو مستبعدة بحسب أغلب الخبراء، إلا أن التطورات الأخيرة دفعت مؤسسات مالية للتحذير من مسارات قد تُفضي إلى اختلالات عميقة في سوق الدين، وتضرب الثقة بالسياسة النقدية الأمريكية، بل وحتى بموقع الدولار كعملة مرجعية.
أعاد غياب “أدريانا كوغلر” عن مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي فتح النقاش مجدداً بشأن طموحات ترامب خاصة مع اقتراب موعد تعيين عضو جديد قد يكون أكثر توافقاً مع رؤيته الاقتصادية.
وبينما يرى البعض أن الخطوة تمثل فرصة للإدارة الأمريكية لضبط الفائدة بشكل يحقق نمواً سريعاً، يحذر خبراء من تداعيات قد تكون بعيدة المدى، ليس فقط على الأسواق المحلية، بل على موقع الدولار الأمريكي نفسه في النظام المالي العالمي.
خطر إخضاع الفيدرالي: توسع قصير ومخاطر طويلة
بحسب مذكرة بحثية حديثة من مؤسسة MRB Partners ناقشها موقع Investing.com، فإن فقدان الفيدرالي لجزء من استقلاله من شأنه أن يؤدي إلى سياسات نمو قصيرة الأجل مصحوبة بتراكم اختلالات مالية وهيكلية أكثر عمقاً.
ويؤكد التقرير أن التلاعب المباشر في السياسات النقدية قد يغري صانعي القرار بالاعتماد المفرط على أدوات الدين، مستغلين أسعار الفائدة المنخفضة لتوسيع الإنفاق العام، دون اعتبار لتأثيرات الدين على المدى الطويل.
في حال خضعت السياسة النقدية لأجندة سياسية مباشرة، من المرجّح أن تتحول وزارة الخزانة إلى أذون قصيرة الأجل لتقليص كلفة الاقتراض، إلا أن ذلك يجعل المالية العامة أكثر تعرضاً لتقلبات السوق، خاصة أن هذا النوع من الديون يرتبط بشكل مباشر بالفائدة قصيرة الأجل.
ووفق تقرير MRB، فإن هذا التوجه يُفقد الأسواق الثقة في استقرار العوائد، ويقلص من جاذبية السندات الأمريكية طويلة الأجل، وهو ما قد يؤدي لاحقًا إلى تقلبات حادة في سوق الديون.
التأثير على الشركات والأسر
من المتوقع أن تؤدي مثل هذه التوجهات إلى عودة الإقراض قصير الأجل و”الرهن العقاري المتغير الفائدة” إلى الواجهة، كحلول مؤقتة لتعزيز القدرة الشرائية. لكن على المدى البعيد، يُخشى من أن تخلق هذه السياسات فقاعة جديدة في قطاع الإسكان وتزيد من هشاشة السوق المالية، مع تراجع قدرة البنوك والمستهلكين على التكيف مع أي دورة تشديد محتملة.
من بين السيناريوهات التي أثارها تقرير MRB، احتمال فقدان الدولار الأمريكي لوضعه كعملة احتياطية عالمية في حال انخفضت ثقة الأسواق بقدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على الانضباط النقدي.
ويحذر التقرير من مرحلة قد تضطر فيها الحكومة إلى تمويل الإنفاق من خلال طباعة النقود، وهو ما قد يُنظر إليه كتحول نوعي في إدارة الدين، وكسراً ضمنياً لعقد الثقة الذي يقوم عليه الاقتصاد العالمي.
استقلال الفيدرالي ليس مجرد تفصيل إداري؛ بل صمام أمان رئيسي للاقتصاد الأمريكي.
ومع اقتراب تعيين جديد داخل المجلس، يتجدد السؤال: هل تستطيع الإدارة الأمريكية تحقيق النمو دون التسبب بأضرار جانبية تهدد استقرار الأسواق والدولار على حد سواء؟