وزيرة الخزانة الأمريكية السابقة: إدارة ترامب تضرب الاقتصاد الأمريكي والمؤسسات تتآكل

تقارير | بقش
بلهجة شديدة الحدة، أطلقت وزيرة الخزانة الأمريكية السابقة خلال إدارة بايدن “جانيت يلين” إنذاراً بشأن “التآكل المؤسسي” الذي يهدد الاقتصاد الأمريكي من الداخل، وحذرت من أن الضغوط السياسية -التي تمارسها إدارة ترامب- على سيادة القانون وعلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي والجامعات، يمكن أن تقوّض الأساس المؤسسي الذي يعتمد عليه الرخاء الاقتصادي في الولايات المتحدة.
وكالة بلومبيرغ نقلت تصريحات يلين التي اطلع عليها بقش، والتي اعتبرت أن هذا التحول يمثل تهديداً مباشراً للنمو الاقتصادي والثقة في المؤسسات الأمريكية.
ذكرت يلين أن ما عبّرت عنه في خطابها في يوليو 2024 حول ضرورة “عدم الانجرار بعيداً عن الروح الديمقراطية” لم يكن خطاباً رمزياً، بل تحذير مبكر من انحراف ينعكس اليوم بشكل أوضح.
وقالت يلين: “أرى من خلال القصص المتناقلة خوفاً كبيراً من التعبير عن آراء سلبية حول ما يحدث وحول الرئيس، ويبدو أن الشركات والأفراد يشعرون بالخوف، لأنهم يعلمون أن تجاوزهم للحدود قد يكون عقاباً لهم شخصياً”.
خطر التحول إلى “جمهورية موز”
حذرت يلين من الضغوط غير المسبوقة على البنك المركزي الأمريكي (الاحتياطي الفيدرالي)، مشيرة إلى محاولات الرئيس ترامب المتكررة للتدخل في السياسة النقدية، بما في ذلك دعواته لخفض أسعار الفائدة (بأكثر من 1%) بذريعة تخفيف عبء الدين الحكومي، وسعيه لإقالة مسؤولين معينين في المجلس، مثل ليزا كوك، العضوة المعينة من قبل بايدن.
مثل هذه التحركات، وفقاً للوزيرة السابقة، تمثل تهديداً خطيراً لاستقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي، ونجاح مثل هذه الإقالات سيؤدي إلى إمكانية الإطاحة بأي مسؤول في البنك المركزي، وهو ما وصفته بـ”نهاية استقلال الفيدرالي”.
وقالت: “لو حدث هذا في دولة نامية، لكانت رؤوس الأموال قد فرّت فوراً ولانهار سعر الصرف وارتفعت أسعار الفائدة طويلة الأجل”. أضافت: “نحن في خطر التحول إلى (جمهورية موز)”.
وهذا الانزلاق نحو تسييس السياسة النقدية يطمس الحدود بين السياسة المالية للكونغرس والسياسة النقدية للبنك المركزي، ويضعف مصداقية الولايات المتحدة في مكافحة التضخم، ويهدد ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، حسب اطلاع بقش على تصريحات يلين.
الجامعات والابتكار: الركيزة المهددة
سلّطت يلين الضوء على التهديدات التي تواجه الجامعات الأمريكية، لا سيما تلك ذات التوجهات الليبرالية أو التي تستقبل طلاباً أجانب. فقد مارس البيت الأبيض ضغوطاً لإجبار هذه الجامعات على تغيير سياساتها، بما في ذلك تهديدها بحجب مئات المليارات من الدولارات من التمويل الفيدرالي، مما يعرض مشاريع بحثية ضخمة للخطر.
وأكدت أن هذه الضغوط أثرت سلباً على قدرة الولايات المتحدة على جذب العلماء والباحثين، والذين يشكلون حجر الزاوية في الابتكار والتقدم التكنولوجي، خصوصًا في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجديدة.
إضافة إلى ذلك “بدأنا نفقد العلماء والباحثين. هناك ترهيب مباشر لأي شخص إذا عبّر عن فكرة لا تعجب الرئيس، فقد يُستهدف شخصياً. جزء كبير جداً من نمونا الاقتصادي ينبع من ريادتنا في التقنيات الجديدة وقدرتنا على بدء أعمال جديدة للاستفادة من هذه التقنيات”.
الأسواق المالية والدولار
رغم هذه المخاطر المؤسسية، أشارت يلين إلى أن الاقتصاد الأمريكي يبدو قوياً في الوقت الحالي، مع استمرار الاستهلاك ونمو سوق العمل، وارتفاع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 18% منذ الانتخابات. إلا أن هذا الأداء “الجيد” قد يخفي هشاشة مؤسسية عميقة، خصوصًا مع اعتماد الأسواق على طفرة الذكاء الاصطناعي.
كما لاحظت تراجع الدولار بنسبة 4% منذ إعلان الرسوم الجمركية في أبريل 2025، رغم توقعات رسمية بأنه سيستفيد من السياسات التجارية المشددة، محذرةً من أن بعض المستثمرين بدأوا بالفعل بالتحوط ضد استثمارات مقومة بالدولار. وأكدت أن هذه المؤشرات تعكس تراكم مخاطر اقتصادية وسياسية قد تظهر آثارها لاحقًا في الأسواق.
ما بعد تآكل المؤسسات
تشير يلين إلى أن تآكل المؤسسات سيؤدي على المدى المتوسط والبعيد إلى ضعف ثقة المستثمرين، إذ سيُعيد المستثمرون التفكير في ضخ رؤوس الأموال في ظل تسييس السياسات الاقتصادية وتدخل السلطة التنفيذية في البنك المركزي.
كما يهدد النمو الاقتصادي، فتسييس القرارات الاقتصادية يعيق خطط الاستثمار، ويحد من قدرة الشركات على التخطيط طويل الأمد. إضافةً إلى تراجع الابتكار والريادة التكنولوجية، حيث إن فقدان العلماء والباحثين، وتخويف الجامعات من التعبير الحر، يقلل من قدرتها على إطلاق مشاريع بحثية رائدة.
إلى جانب ضغوط على العملة والأسواق المالية، فاستمرار الضغوط على الدولار وسياسات الرسوم الجمركية سيؤدي إلى تقلبات شديدة في أسعار الصرف وأسواق الدخل الثابت. كما أن تآكل المؤسسات سيشعر المواطنين بعدم الحماية القانونية وعدم إنصاف القرارات الحكومية، مما قد يزيد التوترات السياسية والاجتماعية.
وتراهن يلين على قدرة الناخبين الأمريكيين على إدراك أثر هذه التحولات على حياتهم اليومية، مؤكدةً أن الضغوط المؤسسية لا تظهر فوراً في أسعار المواد الأساسية، لكنها تتراكم لتترك آثاراً بعيدة المدى.
حيث قالت: “في النهاية، يقع على عاتق الأمريكيين إدراك تأثير ذلك على حياتهم اليومية”.
بالنتيجة، تحذير وزيرة الخزانة السابقة جانيت يلين من أن التآكل المؤسسي في الولايات المتحدة يدق ناقوس الخطر، إذ تُعد قضية اقتصادية خطيرة لها انعكاسات مباشرة على النمو والثقة والاستقرار المالي والابتكار، وقد يصبح هذا التآكل، إذا لم تتم مواجهته، تهديداً وجودياً للمؤسسات الأمريكية وسيادة القانون، مع تداعيات تتجاوز الاقتصاد لتطال كل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد.


