الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

الإغلاق الحكومي يؤزم الاقتصاد الأمريكي.. الضغوط تتزايد والتوقعات قاتمة

الاقتصاد العالمي | بقش

تعيش الولايات المتحدة واحدة من أكثر أزماتها السياسية والإدارية حدةً في السنوات الأخيرة، مع دخول الإغلاق الحكومي الاتحادي يومه الثامن والعشرين (منذ 01 أكتوبر 2025)، ليصبح ثاني أطول إغلاق في تاريخ أمريكا.

ومع تفاقم تأثيرات الإغلاق الحكومي على مختلف القطاعات الحيوية، يتزايد الضغط على الكونغرس لإنهاء حالة الشلل الحكومي التي أصابت الاقتصاد الفيدرالي والمجتمع الأمريكي بالجمود، وسط استمرار تبادل الاتهامات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وتصلّب مواقف كل طرف، في وقت يترقب فيه المواطنون والجنود والموظفون الفيدراليون والمتقاعدون والقطاع الخاص مخرجاً للأزمة التي تتسع يوماً بعد آخر.

تصاعد الضغوط السياسية والاجتماعية

حسب اطلاع مرصد “بقش” على تقرير حديث لوكالة “أسوشيتد برس”، تتزايد الضغوط هذا الأسبوع على الكونغرس لإنهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي، مع اقتراب ملايين الأمريكيين من فقدان مساعداتهم الغذائية وعدم تلقي مزيد من الموظفين الفيدراليين رواتبهم الكاملة للمرة الأولى.

كما تسببت الأزمة في تأخيرات واسعة للرحلات الجوية داخل البلاد، ما أربك خطط السفر وأحدث اضطرابات في قطاع الطيران.

ودعت أكبر نقابة للموظفين الفيدراليين في الولايات المتحدة الكونغرس إلى إقرار مشروع قانون تمويلي فوري يضمن حصول العاملين على رواتبهم كاملة، وحسب اطلاع بقش قال رئيس الاتحاد الأمريكي لموظفي الحكومة، إيفريت كيلي، إن الحزبين السياسيين “أوصلا وجهة نظرهما بوضوح”، مؤكداً أنه “حان الوقت لإقرار قرار تمويلي مؤقت خالٍ من الشروط وإنهاء هذا الإغلاق اليوم.. لا أنصاف حلول، ولا مناورات”.

لكن الموقف الديمقراطي لم يُبدِ استعداداً للتراجع، خصوصاً من ممثلي الولايات التي تضم أعداداً كبيرة من الموظفين الفيدراليين.

السيناتور الديمقراطي في مجلس الشيوخ “تيم كاين” من ولاية فرجينيا، أكد تمسّك حزبه بالحصول على تعهدات من البيت الأبيض لمنع إدارة ترامب من تنفيذ عمليات تسريح جماعية للعمال، إضافة إلى مطالبتهم بتمديد الدعم المالي المخصص لخطط التأمين الصحي ضمن قانون الرعاية المُيسرة.

تأثيرات الإغلاق

يتأثر بالإغلاق نحو 1.3 مليون جندي أمريكي مهددون بعدم تلقي رواتبهم الجمعة المقبلة، فيما تواجه إدارة ترامب احتمال نفاد التمويل المخصص لبرنامج المساعدات الغذائية الذي يعتمد عليه 42 مليون أمريكي لتغطية نفقات الغذاء.

وترفض الإدارة استخدام أكثر من 5 مليارات دولار من أموال الطوارئ لضمان استمرار صرف المساعدات حتى نوفمبر المقبل، مؤكدة أنها لن تعوض الولايات إذا تولت مؤقتاً كلفة هذه المساعدات.

ووصلت صعوبة الوضع إلى حد أن مليارديراً تبرّع بمبلغ 130 مليون دولار لوزارة الحرب الأمريكية “البنتاغون” للمساعدة في دفع رواتب الجنود خلال فترة الإغلاق الحكومي، وبعد أن كانت هوية الملياردير غامضة، كُشف لاحقاً عن أن الملياردير هو “تيموثي ميلون” المقرّب من ترامب.

وتقول وزارة الزراعة إن أموال الطوارئ مخصصة لمواجهة الكوارث الطبيعية، بينما يرى الديمقراطيون أن قرار الإدارة يخالف التوجيهات السابقة للوزارة بشأن آلية عمل برنامج المساعدات الغذائية (SNAP).

واعتبر زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر أن “الإدارة تتخذ قراراً متعمداً بعدم تمويل برنامج SNAP نهاية هذا الأسبوع، التمويل الطارئ موجود، لكن الإدارة تختار ببساطة ألا تستخدمه”.

ويبدو أن تداعيات الإغلاق لم تتوقف عند الجوانب الاجتماعية، إذ خلصت تقديرات خبراء اقتصاديين نقلتها وكالة “رويترز” واطلع عليها بقش إلى أن الإغلاق يلتهم أسبوعياً ما بين 0.1 و0.2 نقطة مئوية من النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بعد التعديل في ضوء التضخم، ما يجعل الإنفاق الاستهلاكي وإنتاجية الموظفين في الحكومة الاتحادية من أبرز الضحايا المباشرين للأزمة.

ووفقاً للتقديرات ذاتها، فإن نحو 700 ألف موظف اتحادي أُجبروا على إجازات مؤقتة، بينما يعمل عدد مماثل تقريباً بدون أجر، كما حذّر البيت الأبيض من أن الموظفين قد يحصلون على رواتبهم بأثر رجعي بعد استئناف عمل الحكومة، فيما تم تسريح كثير من الموظفين المؤقتين وإيقاف العاملين بعقود حكومية عن العمل من دون ضمانات للتعويض.

أزمة النقل الجوي.. وجه آخر للأزمة

امتدت آثار الإغلاق إلى قطاع الطيران، أحد أكثر القطاعات حساسية في البنية التحتية الأمريكية.

فقد تأجلت نحو 7 آلاف رحلة داخلية خلال يوم واحد، إضافة إلى أكثر من 8,600 رحلة تأجلت في اليوم السابق.

إدارة الطيران الاتحادية أفادت بنقص حاد في عدد الموظفين، ما أدى إلى فرض برامج لتأخير الرحلات في مطارات رئيسية مثل نيوارك (نيوجيرسي) وأوستن (تكساس) ودالاس فورت وورث.

كما تأخرت الرحلات الجوية في الجنوب الشرقي بسبب نقص في مركز مراقبة أتلانتا، فيما أعلنت الإدارة أن 13 ألف مراقب جوي و50 ألف موظف في إدارة أمن النقل يعملون بدون أجر.

وبحلول اليوم الثلاثاء، سيُحرم المراقبون من أول راتب كامل لهم حسب متابعات بقش، في حين أصدرت الإدارة أوامر بوقف مؤقت للرحلات في مطاري هيوستن بوش ونيوارك. ووصل متوسط تأخير الرحلات في مطار رونالد ريغان بواشنطن إلى 31 دقيقة، وفي مطار لاغوارديا بنيويورك إلى 62 دقيقة.

احتدام الصراع

وتعيش واشنطن العاصمة منذ أسابيع أزمة سياسية خانقة، حيث تحول الإغلاق الحكومي إلى معركة بين الحزبين تتجاوز الخلاف على الميزانيات إلى معركة على الرأي العام، فالديمقراطيون يؤكدون أن رسالتهم واضحة وتتمثل في “حماية الرعاية الصحية وضمان رواتب العاملين”، بينما يسعى الجمهوريون إلى تحميلهم مسؤولية تعطيل التمويل.

وتُظهر استطلاعات الرأي التي تتبَّعها بقش أنّ الأمريكيين يُلقون باللوم على الحزبين معاً، لكن الغالبية تميل إلى تحميل الجمهوريين والبيت الأبيض المسؤولية الأكبر.

ويصرّ الديمقراطيون على تمديد الدعم لأقساط التأمين الصحي الذي يساعد ملايين الأمريكيين على تغطية تكاليف العلاج، معتبرين أن الجمهوريين، الذين يسيطرون على البيت الأبيض ومجلسي النواب والشيوخ، يتحملون المسؤولية السياسية الكاملة عن الإغلاق.

في المقابل، يطالب الجمهوريون بإنهاء الإغلاق قبل أي تفاوض جديد بشأن الإنفاق.

وتقول الباحثة آشلي كيرزينغر من مجموعة “كاي إف إف” للأبحاث الصحية إن الرسالة القائلة بأن “الرعاية الصحية في خطر” تلقى صدى واسعاً بين الجمهور، حيث تُظهر استطلاعات الإذاعة الوطنية العامة أن 78% من الأمريكيين، بمن فيهم المستقلون وأنصار ترامب، يؤيدون تمديد الاعتمادات الضريبية لأقساط التأمين الصحي لما بعد 2025.

ويحاول الجمهوريون تحويل النقاش إلى مسألة إجرائية، مؤكدين أنهم مرروا مشروع قانون تمويلي موقت، وأن تعطيله يعود إلى رفض الديمقراطيين توفير الأصوات اللازمة لتخطي حاجز الستين صوتاً في مجلس الشيوخ.

ويشير محللون إلى أن هذه الاستراتيجية لا تلقى صدى لدى الرأي العام، لأن أغلب الناخبين لا يتابعون التفاصيل الإجرائية المعقدة، وفقاً لأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية ماثيو فوستر، الذي يرى أن الناخبين يهتمون بالنتائج الملموسة مثل الرواتب والرعاية الصحية أكثر من الصراعات التشريعية.

ويُنظر إلى أن استمرار الإغلاق لفترة أطول سيعمق آثاراً اقتصادية متسارعة، مع احتمال تباطؤ النمو وتراجع ثقة المستثمرين في الدولار الأمريكي، خاصة بعد أن أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى أن قرارات خفض الفائدة المرتقبة قد تتأثر سلباً بالجمود المالي الحالي.

كما يُتوقع أن ترتفع معدلات البطالة المؤقتة بين العاملين بعقود حكومية، فيما ستتأثر قطاعات النقل والخدمات اللوجستية والسياحة والتعليم والبحث العلمي.

وسياسياً قد يكون الخاسر الأكبر هو الطبقة الوسطى والطبقات العاملة التي تعتمد على إعانات الدولة وبرامج الدعم وفقاً للتقارير الأمريكية، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق تمويلي خلال الأسابيع المقبلة، فقد تواجه الولايات المتحدة أزمة ثقة داخلية متصاعدة تُضعف صورة مؤسساتها أمام العالم.

وبينما تتبادل الأطراف السياسية الاتهامات، يستمر المواطن الأمريكي في دفع ثمن الجمود، ومع تزايد الضغوط من النقابات، وتنامي الغضب الشعبي، واستمرار خسائر الاقتصاد، يبدو أن المخرج الوحيد يكمن في حل سياسي عاجل يقوم على تسوية واقعية تعيد فتح مؤسسات الدولة وتعيد الثقة في الأداء الحكومي.

لكن مع تصلّب المواقف وغياب التفاهم بين الكونغرس والبيت الأبيض، تبقى توقعات إنهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي قاتمة، في حين تجري تحذيرات من أن استمرار الوضع الحالي قد يدفع بالولايات المتحدة نحو ركود جزئي في الربع الأخير من 2025.

زر الذهاب إلى الأعلى