أخبار الشحن
أخر الأخبار

العقوبات الأمريكية تشعل سباق الناقلات.. أسعار الشحن من الشرق الأوسط إلى الصين تقفز لأعلى مستوى منذ 2023

أخبار الشحن | بقش

في مشهد يعكس تشابك أسواق الطاقة العالمية تحت وطأة العقوبات، قفزت أسعار عقود الشحن المستقبلية لناقلات النفط العملاقة بين الشرق الأوسط والصين إلى أعلى مستوى لها منذ مطلع عام 2023، بعدما دفعت العقوبات الأمريكية الجديدة على شركتي «روسنفت» و«لوك أويل» الروسيتين كبرى مصافي التكرير في آسيا إلى الابتعاد عن الخام الروسي.

التحركات الأخيرة تعيد رسم خريطة تجارة النفط العالمية؛ فبينما تحاول واشنطن خنق عائدات موسكو النفطية، تفتح الأسواق الآسيوية باباً واسعاً أمام نفط الشرق الأوسط، ما يرفع الطلب على الناقلات العملاقة ويعيد الحياة إلى سوق الشحن الذي عانى فترات ركود طويلة.

ومع اندفاع المصافي في الهند والصين نحو بدائل جديدة، تواجه السوق طفرة غير متوقعة في تكاليف النقل، ما ينذر بتأثيرات تمتد من أسعار الوقود إلى التوازنات الجيوسياسية في تجارة الطاقة العالمية.

قفزة في الأسعار وعودة نشاط الممرات النفطية

أظهرت بيانات بورصة البلطيق التي تتبَّعها بقش، ارتفاع العقود الآجلة للشحن في المسار البحري الرئيسي بين الشرق الأوسط والصين بنسبة 16% يوم الخميس، وهو أعلى مستوى منذ أوائل عام 2023. كما ارتفعت عقود ديسمبر بنسبة 13% في مسار مماثل تسلكه ناقلات النفط الخام العملاقة (VLCC).

وتشير هذه القفزة المفاجئة إلى تحولات سريعة في مسارات التجارة النفطية العالمية، إذ تتجه المصافي الآسيوية، خصوصاً في الصين والهند، إلى استبدال النفط الروسي بخام الشرق الأوسط الذي أصبح أكثر طلباً.

تلك الزيادة في الطلب على السفن العملاقة ترافقت مع محدودية المعروض من الناقلات العاملة، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الإيجار اليومية إلى مستويات غير مسبوقة منذ نحو عامين.

العقوبات الأمريكية على روسيا.. الزلزال الذي حرّك الموانئ

أعلنت واشنطن فرض حزمة جديدة من العقوبات على شركتي النفط الروسيتين العملاقتين روسنفت ولوك أويل، ضمن جهود متصاعدة لإضعاف الاقتصاد الروسي وتمويله للحرب في أوكرانيا.

وبحسب اطلاع “بقش” على “بلومبيرغ”، تقول مصادر الوكالة إن هذه العقوبات أجبرت العديد من المشترين الآسيويين على تجميد أو إلغاء عقود قائمة مع الموردين الروس خوفاً من القيود المالية الأمريكية.

وقالت مصافي تكرير في الصين والهند، وهما أبرز مستوردي النفط الروسي، إنها بدأت بالانسحاب من السوق الروسية بشكل تدريجي، والبحث عن مصادر بديلة آمنة لا تخضع للعقوبات.

ونتيجة لذلك، تحوّلت الأنظار سريعاً نحو الخليج العربي كمصدر بديل، مما ضاعف الضغط على خطوط النقل البحري بين الشرق الأوسط وشرق آسيا، لتتحول هذه الممرات إلى أكثر الممرات ازدحامًا في العالم النفطي.

اندفاع آسيوي نحو النفط البديل

يقول أنوب سينغ، الرئيس العالمي لأبحاث الشحن في شركة «أويل بروكيريدج»، إن “الطلب على النفط الخام البديل سيكون أكبر وأكثر استدامة خلال الأشهر المقبلة، نظراً للقائمة الطويلة من الشركات الروسية التي طالتها العقوبات الأمريكية”.

ويضيف أن الشركات الآسيوية “لن تنتظر تراجع الأسعار أو استقرار السوق، بل تتحرك سريعاً لتأمين إمداداتها قبل أي نقص محتمل”.

هذا التحول الآسيوي لا يقتصر على النفط الخام، بل يمتد إلى منتجات الوقود المكرر أيضاً، إذ تتجه مصافي التكرير إلى تنويع الموردين لتجنب أي اضطرابات في الإمدادات.

وبذلك، تشهد السوق إعادة تموضع سريعة لمراكز التجارة النفطية العالمية، حيث تستفيد دول الخليج من الفراغ الذي خلفته روسيا، لتعيد تأكيد مكانتها كمصدر رئيسي للطاقة إلى آسيا.

خلفيات التحول وتداعياته على التوازن العالمي

تأتي هذه التطورات في وقت تحاول فيه الإدارتان الأمريكيتان، الحالية والسابقة، دفع الدول الآسيوية إلى تقليص اعتمادها على الخام الروسي. ورغم أن هذه الجهود لم تحقق نجاحاً واسعاً سابقاً، إلا أن العقوبات الأخيرة بدت أكثر تأثيراً نتيجة تشددها المالي والمصرفي.

وبحسب وكالة الطاقة الدولية، لا تزال روسيا تصدر نحو 7.3 ملايين برميل يومياً من النفط الخام والوقود المكرر، أي ما يعادل نحو 7% من الاستهلاك العالمي حسب اطلاع بقش، وهو ما يجعل أي اضطراب في صادراتها كفيلاً بإحداث صدمة في السوق العالمية.

ومع استمرار تراجع الحصص الروسية في آسيا، تتجه الأنظار إلى الشرق الأوسط كمركز رئيسي لتلبية النقص، ما يمنح الدول الخليجية فرصة لتعزيز نفوذها التجاري والسياسي في آن واحد.

لكن في المقابل، قد تؤدي هذه التحولات إلى زيادة المنافسة بين كبار المنتجين، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف النقل وتقلبات الأسعار الناتجة عن طول المسافات وزيادة الطلب على السفن العملاقة.

ملامح المرحلة المقبلة

تُظهر البيانات أن طفرة الأسعار الحالية ليست مؤقتة، بل قد تستمر حتى الربع الأول من 2026 إذا واصلت المصافي الآسيوية انسحابها من السوق الروسية.

ويتوقع محللون أن تتحول بعض الناقلات العملاقة إلى “جسر نفطي” شبه دائم بين الخليج وشرق آسيا، مدعومة بعقود طويلة الأجل لإمداد المصافي الصينية والهندية.

وفي الوقت ذاته، تواجه الأسواق الأوروبية تحديات موازية في تأمين بدائل مستقرة بعد تقلص تدفقات النفط الروسي عبر الموانئ الشمالية، ما قد يدفع بمزيد من السفن إلى تحويل مساراتها نحو آسيا حيث ترتفع الأرباح والعقود المستقبلية.

هذا التغير يعيد رسم خريطة النقل البحري للنفط الخام، إذ تتحول خطوط الشحن من مجرد ممرات تجارية إلى خطوط صراع اقتصادي وجيوسياسي بين القوى الكبرى.

تُعدّ القفزة الأخيرة في أسعار الشحن مؤشراً واضحاً على هشاشة السوق النفطية العالمية، حيث تكفي عقوبات محدودة لتغيير موازين العرض والطلب على نحو دراماتيكي.

وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى تضييق الخناق على موسكو، تبدو النتيجة المباشرة أنها منحت الشرق الأوسط نافذة ذهبية لتوسيع حصته في السوق الآسيوية، مع ما يحمله ذلك من انعكاسات اقتصادية وجيوسياسية جديدة.

أما على المدى الأبعد، فإن استمرار ارتفاع تكاليف الشحن قد يُعيد تعريف العلاقات بين المنتجين والمستهلكين، ويجعل من ناقلات النفط العملاقة سلاحاً جديداً في معركة الطاقة العالمية، حيث لا تُقاس القوة فقط بعدد البراميل، بل بسرعة وصولها إلى الميناء.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش