تقرير بريطاني: ثغرات في أنظمة تسجيل السفن تمنح “الأسطول الظل” حصانة من العقوبات

أخبار الشحن | بقش
كشف تقرير جديد صادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) أن نمو ما يُعرف بـ”الأسطول الظل” ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل نتيجة مباشرة لثغرات هيكلية وضعف في أنظمة الرقابة على تسجيل السفن، محذراً من أن استمرار الوضع الحالي سيجعل من الشحن غير المشروع نظاماً موازياً يهدد الأمن البحري والاقتصاد العالمي.
وبحسب التقرير الذي تابعه بقش، فإن سهولة حصول السفن على أعلام دول مختلفة من دون تدقيق كافٍ، وغياب الشفافية حول الملكية الفعلية، والتقصير في إجراءات الإنفاذ، كلها عوامل ساعدت على ازدهار شبكة سفن تُستخدم لنقل النفط الخاضع للعقوبات من دول مثل إيران وروسيا وفنزويلا.
المعهد أوضح أن المنظمة البحرية الدولية (IMO) تُصدر قرارات ملزمة، لكنّها تفتقر إلى سلطات تنفيذية، وهو ما يترك “الدول صاحبة العلم” قادرة على تجاهل التزاماتها. واعتبر التقرير أن هذه الثغرات خلقت “نظاماً بيئياً موازياً للشحن” يُكافئ التعتيم ويُعاقب الالتزام.
700 سفينة تحت العقوبات في عام واحد
وفق البيانات التي رصدها بقش، خضعت نحو 700 سفينة لعقوبات خلال العام الماضي، سواء بموجب قرارات أمريكية تستهدف صادرات إيران النفطية، أو عقوبات أوروبية وبريطانية على روسيا. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات ما زالت مجزأة وتفاعلية، ولم تنجح بعد في كبح توسع الأسطول الظل، بحسب المعهد الملكي للخدمات المتحدة.
جونزالو سيز، الباحث المشارك في مركز المالية والأمن التابع للمعهد، قال لمجلة لويدز ليست Lloyd’s List إن أدوات التلاعب مثل “التنقل بين الأعلام” أو “إخفاء الهوية الحقيقية للمالكين” ليست جديدة، لكنها تضاعفت في السنوات الأخيرة مع تصاعد العقوبات. وأضاف: “لقد سمحنا طويلاً بأن تبقى الاتفاقيات البحرية الدولية غير قابلة للتنفيذ، وهذا ما أوصلنا إلى بيئة شحن غير شفافة وغير آمنة.”
أوصى التقرير بإحالة مسؤولية الرقابة إلى مجموعة العمل المالي (FATF)، وهي الهيئة الدولية المسؤولة عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وأوضح أن لهذه المجموعة أدوات أكثر تأثيراً، مثل “التقييم المتبادل” الذي يفرض ضغوطاً كبيرة على الحكومات ويؤثر على تصنيفاتها المالية وسمعتها الدولية.
وأشار التقرير إلى أن إدخال ملف “الأسطول الظل” ضمن نطاق عمل مجموعة العمل المالي سيحوّل عبء المسؤولية إلى الدول التي تسمح بتسجيل السفن بشكل متساهل أو عبر شركات خاصة تعمل كوكلاء تسجيل لدول أخرى. وبهذه الطريقة يمكن “إغلاق البوابات” التي ينفذ منها الشحن الخاضع للعقوبات.
يرى خبراء أن تفاقم ظاهرة الأسطول الظل بعد حرب أوكرانيا بات مرتبطاً بتمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل، وهو ما يُغطيه بالفعل إطار عمل مجموعة العمل المالي. ويؤكد تقرير المعهد الملكي للخدمات المتحدة أن الاعتماد على هذا الإطار المتعدد الأطراف يمثل “النهج الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق” في ظل التوترات الجيوسياسية الحالية والعسكرة المتزايدة لإنفاذ العقوبات البحرية.
تعريف “الأسطول الظل”
وبحسب لويدز ليست تُصنَّف الناقلة جزءاً من الأسطول الظل إذا مارست واحدة أو أكثر من ممارسات الشحن المضللة المرتبطة بتهريب النفط الخاضع للعقوبات، مثل تغيير الأعلام المتكرر، إخفاء الموقع في أنظمة التتبع، أو إجراء عمليات نقل نفطية مشبوهة في البحر. كما يشمل التعريف السفن الخاضعة للعقوبات بشكل مباشر أو تلك المرتبطة بكيانات مدرجة على القوائم السوداء.
توسّع الأسطول الظل يعني أن كميات كبيرة من النفط الإيراني والروسي والفنزويلي تدخل الأسواق بعيداً عن القنوات الرسمية. هذا التدفق يخلق أسعاراً موازية في السوق السوداء أو الرمادية، ما يؤدي إلى ضبابية في تقدير حجم المعروض النفطي العالمي. ونتيجة لذلك، تتأثر سياسات “أوبك+” وحسابات التوازن بين العرض والطلب، حيث يصبح من الصعب قياس الكميات الحقيقية المطروحة في السوق.
وجود أسطول موازٍ يعمل خارج الأطر القانونية يساهم في رفع تكاليف النقل البحري المشروعة. السفن الملتزمة بالقوانين تجد نفسها مجبرة على مواجهة منافسة غير عادلة من ناقلات قادرة على العمل بتكاليف أقل بفضل التهرب من الضرائب والتأمينات. هذا يخلق تشوهاً في سوق الشحن، ويضغط على الشركات النظامية، خصوصاً تلك العاملة في المسارات المرتبطة بالخليج العربي وبحر قزوين.
ارتفاع أقساط التأمين البحري
شركات التأمين ترى في الأسطول الظل خطراً مباشراً. السفن التي تخفي هويتها وتقوم بعمليات نقل نفطية في عرض البحر معرضة للحوادث والتسربات البيئية والصدامات القانونية. هذه المخاطر دفعت شركات التأمين الكبرى إلى رفع الأقساط على السفن المارة في مناطق يُشتبه بوجود نشاط ظل فيها، خصوصاً في الخليج والبحر الأسود. النتيجة أن تكاليف الشحن الشرعي ترتفع بشكل غير مباشر بسبب ممارسات غير قانونية.
التهريب المنظم عبر الأسطول الظل يجعل من الصعب مراقبة تدفقات العوائد المالية المرتبطة بالنفط. الأموال المتولدة من هذه التجارة غالباً ما تمر عبر شبكات معقدة لغسل الأموال، وهو ما يثير مخاوف الهيئات الرقابية والمصارف الدولية. على المدى الطويل، يمكن لهذا الوضع أن يقوّض ثقة المستثمرين في شفافية أسواق الطاقة ويؤدي إلى زيادة علاوات المخاطر على الاستثمارات المرتبطة بالنفط والشحن البحري.