استهداف المحلات التجارية.. هل نجح إغلاقها في كبح الأزمة الاقتصادية بمناطق حكومة عدن؟

الاقتصاد اليمني | بقش
لا تزال الأزمة الاقتصادية تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية، خاصة في ما يتعلق بأسعار المواد الغذائية الأساسية والسلع والخدمات الصحية، وفي محاولة للسيطرة على السوق وحماية المستهلك، تلجأ السلطات المحلية ومكاتب الصناعة والتجارة إلى حملات رقابية معلنة وإغلاقات واسعة النطاق للمحلات التجارية والأفران والمخابز والصيدليات وغيرها.
هذه الحملات تطرح تساؤلات حول مدى فاعليتها في كبح الأزمة الاقتصادية وضبط الأسعار وتغيير الوضع الذي بقي على ما هو عليه منذ انخفاض سعر الصرف في نهاية يوليو 2025 بنسبة 40%.
آخر الإغلاقات
في آخر التصريحات الرسمية التي تابعها مرصد “بقش”، قالت السلطات المحلية في عدن إنها أغلقت في سبتمبر الماضي 39 صيدلية متهمة بالمخالفة، من أصل 131 صيدلية ومستودع أدوية مستهدفة، وركزت المخالفات على عدم الالتزام بتدوين الأسعار وتجديد التراخيص وضمان شروط التخزين المناسبة، إضافةً إلى منع صرف الأدوية المنوّمة إلا بوصفة طبية موثقة.
وتقول السلطة المعنية بتفتيش الصيدليات ومخازن الأدوية في عدن إنها مستمرة في النزول الميداني أسبوعياً بهدف ضبط السوق.
ومن جانب آخر، نفذ مكتب وزارة الصناعة والتجارة بعدن حملة رقابية واسعة خلال الفترة (28 ستمبر – 02 أكتوبر 2025)، نجم عنها إغلاق 100 منشأة تجارية مخالفة، وضبط أكثر من 34 طناً من المواد الغذائية الفاسدة. ووفق متابعات بقش، شملت الحملة مختلف الأسواق المركزية ومحلات الجملة والبقالات والأفران ومعامل مياه الشرب، وتمثلت المخالفات في التلاعب بالأسعار، وبيع سلع منتهية الصلاحية، ونقص وزن الرغيف، وعدم إشهار القوائم السعرية.
وفي سياق متصل تشهد مدينة تعز إضراباً للأفران والمخابز احتجاجاً على قرار بيع الخبز بالميزان بسعر محدد 1200 ريال للكيلوغرام الواحد، واستهداف واعتقال مُلاك الأفران والمخابز، مؤكدين أن التسعيرة الجديدة غير منصفة ولا تراعي ارتفاع تكاليف الإنتاج. وتسبب هذا الإضراب في إشعال أزمة خبز في الأسواق أثرت على المواطنين بشكل مباشر.
أمام هذه الإجراءات، يُثار سؤال محوري: هل أسهمت هذه الإجراءات في حل الأزمة الاقتصادية وكبح الأسعار، أم أن المشكلة متجذرة في هياكل الحكومة نفسها، التي فشلت في تقديم حلول اقتصادية حقيقية ومستدامة؟
المحلل الاقتصادي سليم مبارك، مصرفي في عدن، علّق لـ”بقش” بقوله إن الحملات المعلن عنها تُظهر التنسيق بين الجهات الرقابية والنيابات المختصة، وتشمل تحرير محاضر ضبط، وفرض غرامات وإصدار أوامر حضور قانونية، ما يعكس محاولة الحكومة تقديم إجراءات رمزية لضبط السوق.
لكن رغم هذه الحملات والإغلاقات، لم تسفر عن أي تأثير جوهري على الأسعار أو على القدرة الشرائية للمواطنين، وفقاً لمبارك، مشيراً إلى أن تحسن سعر الصرف الأخير لم يُترجم إلى انخفاض الأسعار في الأسواق، وهو ما يؤكد أن المشكلة الاقتصادية أعمق من مجرد ضبط المحلات أو صيد المخالفات الفردية.
ويخلق إغلاق المحلات والمخابز والصيدليات فقط تأثيراً مؤقتاً على تنظيم السوق، لكنه لا يعالج جذور الأزمة الاقتصادية، مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج، ونقص السيولة، وضعف الرقابة الفعلية على سلاسل الإمداد، واستمرار الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الحكومة الشرعية، بحسب مبارك.
انعكاسات على المواطنين
ويُنظَر إلى أن حملة الإغلاقات الواسعة للمحلات التجارية والصيدليات والأفران وغيرها، تُبلور عدة تداعيات سلبية على حياة المواطنين، مثل الإضرار بالأمن الغذائي نتيجة لإضرابات المخابز التي زادت الأعباء المعيشية على الأسر.
ويرى الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي، أن إغلاق الصيدليات المخالفة، على سبيل المثال، يحد مؤقتاً من سوء تخزين الأدوية، لكنه لا يخفف ارتفاع أسعار الأدوية أو نقصها في الأسواق. ويضيف في حديث لـ”بقش”: “تحسن سعر الصرف لم يترجَم إلى تحسن في الأسعار المحلية، بسبب استمرار التلاعب بالأسعار من قبل التجار وغياب سياسات دعم حقيقية للمواطنين”.
ويشير إلى أن الإجراءات الرقابية التي تركز على ضبط المحلات الفردية لن تؤدي إلى النتائج المطلوبة بدون تقديم حلول هيكلية، مثل دعم الإنتاج المحلي أو السيطرة على سلاسل التوريد، كما تغيب الاستراتيجيات الاقتصادية طويلة الأمد، ولم تقدم حكومة عدن خططاً واضحة لمعالجة التضخم أو تحسين بيئة الاستثمار، ما يجعل الإغلاقات مجرد إجراءات مؤقتة بلا أثر استراتيجي.
وفي الوضع الراهن تُعد الحملات التي تستهدف إغلاق المحلات غير كافية لمعالجة الأزمة الاقتصادية، إذ إن انخفاض سعر الصرف لم يُترجم إلى تحسن ملموس في الأسواق، وهو ما يُحيل إلى أن الفشل متجذر في عمق الوسط الحكومي الذي تتوغل فيه ممارسات الفساد، دون تبنّي سياسات اقتصادية مستدامة أو حلول حقيقية لمعالجة التضخم وتوفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة.