
الاقتصاد العالمي | بقش
اخترق سعر الذهب مستوى تاريخياً جديداً فوق 4,000 دولار للأونصة لأول مرة، ووصل إلى أكثر من 4,050 دولاراً للأونصة، لعدة عوامل رصدها مرصد “بقش” أبرزها اضطراب الثقة المرتبط بالإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة، وتوقعات تخفيضات أسعار الفائدة لدى الاحتياطي الفيدرالي، وضعف الدولار، وتصاعد حرب الرسوم الجمركية بين أمريكا والصين.
ويناهز ارتفاع الذهب الحالي نسبة 50-54% خلال هذا العام، ليكون جزءاً من أكبر دورة صعود للذهب منذ سبعينيات القرن الماضي.
وتجري توقعات حالياً بأن يتم تداول الذهب عند 5 آلاف دولار للأوقية بحلول نهاية العام المقبل، وفق محللي بنك الاستثمار الأمريكي “غولدمان ساكس”. وقد تشهد تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة دفعة من تخفيضات أسعار الفائدة التي سيجريها الاحتياطي الفدرالي بمقدار 100 نقطة أساس بحلول منتصف العام المقبل.
لماذا هذه “الفورة”؟
تقول شبكة إنفستنغ للبيانات المالية إن الذهب لم يتجاوز 4 آلاف دولار من فراغ، إذ ارتفع نتيجة لأزمة ثقة هائلة في العملات الورقية مثل الدولار، وتضخم جامح، وحرب تجارية عالمية، وتوترات جيوسياسية تهدد استقرار العالم، ويعتقد المشترون أن هذه المشاكل لم تُحل بعد، بل هي في بدايتها فقط.
ولا يُعد الذهب محض استثمار، بل هو مال حقيقي، لكونه مخزناً للقيمة وأصلاً نقدياً حقيقياً في عالم تطبع فيه البنوك المركزية النقود دون رقابة، وعند تحويل النقود إلى الذهب فإنها تحافظ على قوتها الشرائية، لذا يواصل المستثمرون أفراداً ومؤسسات شراء الذهب، كما تقول الشبكة.
ويعزز ضعف الدولار الأمريكي من قوة الذهب المقوّم بالدولار، إذ يجعل الطلب بالعملات الأخرى أكثر قدرة على الشراء. كما أبقت البنوك المركزية اتجاه شراء الذهب قوياً وفق متابعات بقش، ما قلّص المعروض الاحتياطي وزاد الطلب الرسمي، وتشير بعض التقارير إلى أن حيازات البنوك المركزية أصبحت أكبر من حيازاتها من أذون الخزانة في مؤشرات معينة للسنوات الأخيرة.
واستفاد مستثمرو الملاذات والسيولة القصيرة الأجل من ارتفاع القيم، مثل صناديق ETF وسماسرة الذهب الذين سجلوا تدفقات كبيرة وأرباحاً تشغيلية.
ويحسن ارتفاع الأسعار هوامش الربح لدى منتجي الذهب، ما قد يؤدي إلى زيادات في الإنفاق الرأسمالي واستثمار التنقيب، لكن استجابة المعروض تواجه قيوداً زمنية (التعدين يحتاج سنوات).
ويضغط ارتفاع الأسعار على الطلب الصناعي والاستهلاكي (المجوهرات)، وقد يؤدي لزيادة البيع من المستهلكين عند أعلى الأسعار.
ويحذر البعض من أن الذهب ربما أصبح مبالغاً في تقييمه على المدى القصير، وأن أي رفع مفاجئ للفائدة قد يقلل جاذبية الذهب ويضغط على الأسعار.
الصعود إلى قمة 5,000$
يتوقع بنك الاستثمار الأمريكي “غولدمان ساكس” أن يصل الذهب إلى مستوى 4,900 دولار للأونصة بنهاية 2026، بدلاً من 4,300 دولار، اعتباراً من 06 أكتوبر 2025، حسب متابعة بقش، وجاء التعديل بسبب استمرار تدفقات صناديق المؤشرات الغربية، والتوقعات باستمرار مشتريات البنوك المركزية.
يرى البنك الأمريكي أن المخاطر تميل نحو الاتجاه الصعودي، وسط تنوع استثمارات القطاع الخاص في سوق الذهب المحدود نسبياً، مع توقعات بشراء البنوك المركزية لحوالي 80 طناً في 2025 و70 طناً في 2026.
وهناك توقعات تذهب إلى أبعد من ذلك، مثل تقرير “في الذهب نثق 2025” (In Gold We Trust Report 2025) الذي يرجّح أن يصل سعر الذهب إلى 8,900 دولار للأوقية عام 2030 بناء على توقعات التضخم والسياسات النقدية. ويُنظر إلى هذا التقرير -الذي أعدَّه مديرو الصناديق في شركة إدارة الأصول “إنكرمنتوم”- أنه “المعيار الذهبي لجميع دراسات الذهب”.
وتلفت التقارير إلى ضرورة مراعاة أن أسواق الذهب تتسم بالتقلبات، وقد تؤثر عوامل غير متوقعة على الأسعار، وهو ما يتطلب تتبُّع التطورات الاقتصادية والجيوسياسية بشكل مستمر.
بشكل عام، يمثل اختراق الذهب حاجز 4,000 دولار إشارة قوية إلى فقدان جزء من الثقة التقليدية في المسارات المالية الحالية، خصوصاً الدولار والسياسة النقدية الأمريكية، كما يعكس تراكم مخاطر سياسية ونقدية عالمية، وتغييراً في أولويات المستثمرين والمؤسسات نحو تنويع أكبر بالذهب، وذلك يجلب مخاطر تقلب كبيرة من جهة، ومن جهة أخرى فرصاً للمربحين والمضاربين على حد سواء.