الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

تطبيق رسوم الموانئ بين أمريكا والصين.. مرحلة جديدة للأزمة الاقتصادية العالمية

الاقتصاد العالمي | بقش

اليوم الثلاثاء دخلت حزمة من الرسوم الخاصة على السفن ذات الصلة بأمريكا والصين، حيز التنفيذ، في خطوة اعتُبرت تصعيداً ملموساً لتحويل الخلاف التجاري إلى أدوات تستهدف قطاع النقل البحري وسلاسل الإمداد العالمية.

وبدأت الولايات المتحدة فرض رسوم جديدة على السفن والشركات ذات الصلة بالصين عند دخولها موانئ أمريكية، لدعم شركات الشحن الأمريكية وكبح الهيمنة الصينية على الشحن البحري، وبالمقابل بدأت الصين تحصيل رسوم خاصة للموانئ قدرها 400 يواناً (56 دولاراً) لكل طن صافٍ، من سفن مملوكة أو مُدارة أو مُبنية أو مُعلّمة بعَلَمٍ أمريكي.

ضغط على الشركات

تقول وكالة بلومبيرغ في تقرير جديد اطلع عليه مرصد بقش، إن تفاقم الرسوم الإضافية يزيد الضغوط على شركات شحن الحاويات الصينية، فمن المتوقع أن تكون شركتا “كوسكو شيبنغ هولدينغز” و”أورينت أوفرسيز إنترناشونال” الأكثر تضرراً من السياسة التي أقرها مكتب الممثل التجاري الأمريكي، التي دخلت حيز التنفيذ اليوم الثلاثاء.

وفي إطار الرد بالمثل، أعلنت الصين يوم الثلاثاء فرض عقوبات على وحدات أمريكية تابعة لشركة “هانوا أوشن” (Hanwha Ocean)، إلى جانب إطلاق تحقيق حول تداعيات إجراءات المادة 301 التي يطبقها مكتب الممثل التجاري الأمريكي على قطاعها البحري.

ويمكن أن تواجه شركة “كوسكو شيبنغ”، التي يُتوقع أن تُعلن عن أرباح أضعف في الربع الثالث، رسوماً إضافية تتراوح بين 1.5 مليار دولار و2.1 مليار دولار في عام 2026، حسب تقديرات تتبَّعها بقش من بنكي “إتش إس بي سي” و”سيتي غروب”، أما شركة “أورينت أوفرسيز إنترناشونال” فقد تتكبد تكاليف إضافية تصل إلى 654 مليون دولار.

في المقابل، لن تتأثر شركات الشحن غير الصينية سوى بشكل محدود كما تقول بلومبيرغ، إذ يمكنها تشغيل سفن غير مصنعة في الصين على المسارات الأمريكية برسوم أقل بكثير.

ويرى سيمون هيني، المدير الأول لأبحاث الحاويات بشركة “دروري ماريتايم سيرفسيز”، أن شركات الشحن الأخرى لديها فرصة لتقليص عبء التكاليف الإضافية عبر استبدال السفن الصينية الصُنع، لكن شركات مثل كوسكو لا يمكنها تغيير جنسيتها، ولا تملك أي بديل لتفادي هذه الرسوم”.

وتندرج الرسوم الأمريكية، التي أُعلن عنها لأول مرة في أبريل 2025، ضمن مساعي ترامب لإعادة تشكيل منظومة التجارة العالمية والتصدي للنفوذ المتنامي لبكين، من خلال استهداف مالكي السفن الصينيين أو السفن المصنوعة في الصين.

وفي غضون ذلك، ارتفعت الصادرات الصينية بنسبة 8.3% في سبتمبر، وهي أسرع وتيرة نمو خلال ستة أشهر حسب مراجعات بقش، بينما هبطت الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة بنسبة 27%.

رغم ذلك، يُتوقع أن يكون تأثير الرسوم محدوداً على أسعار الشحن، حيث تعمل شركات الشحن على إيجاد بدائل لتفادي رسوم الموانئ الأمريكية. وكانت أسعار الشحن قد تراجعت عن مستوياتها المرتفعة المسجلة في يونيو 2024، فيما تباطأ نمو حركة الشحن بعد موجة التحميل المسبق منذ العام الماضي مدفوعة بمخاوف من إضرابات سابقة في موانئ الساحل الشرقي الأمريكي ومخاطر الرسوم الجمركية.

ومع تصاعد التوترات لم تُظهر شركات الشحن الصينية أي نية للانسحاب من السوق الأمريكية، إذ أعلنت أورينت في سبتمبر الماضي أنها ستواصل العمل في أمريكا رغم الأعباء المالية التي تفرضها هذه الرسوم، بينما قالت كوسكو إنها تأمل في “تحسين مزيج منتجاتها عبر المحيط الهادئ”.

توقعات قاتمة تفرض نفسها

بشكل عام قد تؤدي الرسوم الجديدة في الموانئ الأمريكية والصينية إلى ارتفاع تكاليف الشحن الفوري، فالرسوم الجديدة تُضاف مباشرة لتكلفة كل رحلة أو تُحمَّل جزئياً على الشاحن أو المستورد، مما يرفع أسعار الشحن ولو مؤقتاً ويخلق تقلباً في جداول الشحن.

إضافةً إلى تعطّل عمليات التخليص، فالسفن التي لا تسدد الرسوم قد تتعرّض لتأخير في التخليص أو منع تفريغ البضائع عند الرسوم المتأخرة، ما يؤدي إلى ازدواجية في مخزون الموانئ وزيادة أوقات الانتظار.

وستحدث زيادة في التأمين، حيث ستراجع شركات التأمين وخطوط الشحن العقود، وقد تظهر رسوم إضافية للمخاطر السياسية، وتشدد الشروط على التعاقدات طويلة الأجل.

وثمة تأثيرات على سلاسل الإمداد العالمية والأسواق، إذ ستحاول الشركات تجنّب السفن والموانئ المتأثرة بالرسوم، ما قد يؤدي إلى تحوّلات في المسارات، على سبيل المثال: زيادة النقل عبر بلدان ثالثة، واستخدام موانئ بديلة في آسيا وأوروبا، لكن ذلك يزيد زمن النقل والتكلفة.

وزيادة تكاليف النقل ستنتقل جزئياً للمستهلكين عبر سلاسل توريد المنتجات الاستهلاكية والطاقة، ما يزيد من الضغوط التضخمية في أسواق متعددة، خصوصاً على السلع الثقيلة أو الخام.

ويحوّل كل ذلك النقلَ البحري إلى ساحة للصراع يجعل الخيارات أمام الدول الحليفة أكثر حساسية.

يرى جودا ليفين، رئيس قسم الأبحاث في منصة حجز الشحن “فريتوس” أن الأرباح ستتراجع على أساس فصلي وسنوي، مشيراً إلى أن شركات النقل البحري تحاول التكيف مع الوضع عبر زيادة عدد الرحلات الملغاة عبر المحيط الهادئ، وهي ممارسة تُعرف بتخطي الموانئ أو إلغاء الرحلات.

وأضاف في تقرير لبلومبيرغ الذي اطلع عليه بقش أن شركات الشحن ستبذل جهوداً مكثفة لإدارة قدرتها الاستيعابية بهدف الحد من تراجع الأسعار، لكن من المرجح أن يبقى هذا هو المشهد السائد خلال الفترة المقبلة.

وأكد ليفين أن الصين ما زالت تشكّل محوراً رئيسياً في حركة التجارة العالمية، حتى مع ارتفاع الطلب على الشحن من مناطق مثل جنوب شرق آسيا.

كما قال لو من “بلومبرغ إنتليجنس” إن مركز ثقل صناعة شحن الحاويات يشهد تحولاً سريعاً بعيداً عن خطوط التجارة عبر المحيط الهادئ نحو مناطق نمو جديدة، مع تزايد النشاط في خدمات الشحن داخل آسيا، فيما تبرز أمريكا اللاتينية وأفريقيا كنقاط مضيئة في توقعات النمو.

ويمثل تحويل الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة والصين إلى فرض رسوم على السفن والموانئ، خطوةً جديدة تجعل من قطاع الشحن أداة ضغط جيواقتصادي مباشرة، وسيمتد الأثر الفعلي من ارتفاع تكاليف النقل وتأخير سلاسل التوريد إلى انعكاسات على الأسواق والقطاعات المرتبطة ببناء السفن والتأمين.

والطريق أمام تجار العالم والحكومات بات يتطلب تخطيطاً سريعاً لإدارة المخاطر، واستراتيجيات تنويع فعّالة، ودوراً دبلوماسياً نشطاً لاحتواء التصعيد قبل أن يتسع لأزمة اقتصادية عالمية أوسع.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش