الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

تقييم دولي: القهوة اليمنية بين العالمية وصعوبات الداخل

توصف القهوة اليمنية بأنها تتمتع بإمكانات تصديرية كبيرة، بشكل يوفر فرصة للتنمية الاقتصادية الريفية وتنويع دخول المزارعين، وهو ما ركز عليه تقييم حديث أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” ومؤسسة التمويل الدولية.

وحسب التقييم الذي اطلع عليه بقش، تُزرع القهوة في 2.4% فقط من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في اليمن (ما يقدر بنحو 34981 هكتاراً)، والتي أنتجت 20812 طناً من القهوة في 2019 وساهمت بنحو 6% من إجمالي عائدات الصادرات الزراعية اليمنية في عام 2020، أي بنحو 20.2 مليون دولار من إجمالي 320 مليون دولار.

الإنتاج بين التصدير والتسويق المحلي

كانت اليمن ذات يوم واحدة من أكبر منتجي ومصدري البن في العالم، حيث يرتبط بن “موكا” بميناء المخا الذي كان تاريخياً مركزاً رئيساً لصادرات البن اليمني وفق التقرير.

وتعتمد سلسلة قيمة القهوة في اليمن، بشكل كبير، على جهات القطاع الخاص التي تعمل في إنتاج ومعالجة وتسويق منتجات قهوة متمايزة مثل حبوب القهوة الخضراء التجارية والمتخصصة، والقِشْر، والمعروف أيضاً باسم “القهوة اليمنية”.

وفي المتوسط، يتم تخصيص نحو 60% من حبوب القهوة الخضراء اليمنية (بما في ذلك التجارية والمتخصصة والقشر) للتصدير، بينما يذهب 40% منها للأسواق المحلية.

وعلى مدى عقود ماضية، كان إنتاج القهوة اليمنية متقلباً، إذ بلغ ذروته في الفترة 2004-2008 فقط ثم انخفض بعد ذلك، وتعافى الإنتاج لفترة وجيزة من عام 2012 حتى 2014، لكنه لم يتعافَ تماماً منذ ذلك الحين.

الصادرات ارتفعت بدورها من 44 ألف طن في عام 2000 إلى 75 ألف طن في عام 2005، ولكن منذ عام 2014، بدأت الصادرات في الانخفاض بشكل حاد، حيث انخفضت إلى 36 ألف طن في عام 2019. وتشير الفاو إلى أن ما يميز القهوة التجارية والقهوة المتخصصة في اليمن هو مقدار الجهد المبذول في المنبع في سلسلة القيمة على مستوى المزرعة.

ويعتمد قطاع البن اليمني على جهود “صغار المزارعين”، فمتوسط ملكية الأرض يبلغ نحو 0.3 هكتار (أو 394 شجرة بن)، بمتوسط إنتاج 114 كجم من البن لكل مزارع وفق البيانات التي طالعها بقش. ومنها يقوم التجار وتجار الجملة وشركات التصدير بتوجيه القهوة التجارية والمتخصصة إلى المستهلكين.

تحديات تسويق القهوة

يمثل تسويق القهوة اليمنية، التجارية أو المتخصصة أو القشرية، تحدياً كبيراً، إذ لا يوجد فرق في الأسعار أو العلامات التجارية.

في السوق المحلية، لا تحظى القهوة المنتجة محلياً بمعاملة خاصة ويتم بيعها بأسعار منتظمة مثل أي توابل أو أعشاب أخرى في السوق.

ويتم تسويق القهوة عادةً من خلال متاجر البهارات المحلية والمتاجر الكبرى ومحال البقالة مباشرة للمستهلكين. أما تسويق القهوة اليمنية في أسواق التصدير فهو أصعب، حيث يعتمد على علاقات تجارية طويلة الأمد مع المستوردين ويتبع معايير جودة مختلفة.

وفتح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي آفاقاً جديدة لتسويق القهوة اليمنية، وفرصة للاعبين جدد لدخول أعمال التصدير، وبينما يمكن أن تحقق القهوة اليمنية المتخصصة أسعاراً مرتفعة للغاية في الأسواق التي تقدر القهوة الفاخرة، فإن تكاليف الإنتاج والمعالجة والتسويق المرتفعة على طول سلسلة التوريد تشكل عقبات رئيسية أمام توسيع المبيعات من خلال هذه القناة السوقية الجذابة.

تكاليف التشغيل باهظة

ينفق المزارعون في المتوسط ما بين 41 إلى 45% من إجمالي إيراداتهم من القهوة على تكاليف الإنتاج نفسه، وتُقدَّر تكاليف التشغيل بنحو 69% للمعالجين، و89% لتجار التجزئة المحليين، و60% للمصدرين.

بالنسبة للمعالجين، تمثل تكاليف المدخلات (بما في ذلك حبوب البن) 45% من الإيرادات، ولكن التكاليف التشغيلية والإدارية والضريبية هي الأعلى بين جميع أصحاب المصلحة في سلسلة القيمة.

أما عن تجار التجزئة المحليين، فتبلغ تكاليف المدخلات حوالي 83%، وتشمل تكلفة البن، في حين تبلغ تكاليف التشغيل (الإيجار والكهرباء) 6%.

وبالنسبة للمصدرين، تبلغ تكاليف المدخلات حوالي 45%، مع إضافة تكاليف التشغيل والإدارية والتعريفات الجمركية 15% أخرى إلى إجمالي تكاليفهم.

الانقسام الحكومي يزيد الصعوبات

تقول الفاو إن سلسلة قيمة القهوة تواجه قيوداً داخلية كبرى، وهو ما يتطلب رفع مستوى الشركات وتحسين البيئة المواتية، حيث أدت الحرب إلى إضعاف الهيكل المؤسسي، والأطر السياسية والتنظيمية القديمة التي تدعم القطاع الزراعي ككل، ولكن مع تأثير خاص على القهوة.

هذا الانقسام -بين سلطتين في صنعاء و عدن- بات بمثابة عنق زجاجة رئيسي يعيق نمو قطاع القهوة، ويترك أصحاب المصلحة الرئيسيين في سلسلة القيمة للتعامل مع حكومتين ونظامين ضريبيين، مع لوائح وسياسات تتعارض مع بعضها في الغالب.

كما أجبرت الحرب أصحاب المصلحة على اختيار الجانبين وفق الفاو، مما أدى غالباً إلى فقدان الأعمال والوصول إلى الأسواق والخدمات.

وتنقسم حوكمة سلسلة قيمة القهوة على أساس تفويضات مختلفة لمنظمات حكومية مختلفة. ذلك يؤدي وفق قراءة بقش إلى تعقيد بيروقراطي (مكتبي معاملاتي روتيني) ويساهم في دعم حكومي محدود للقطاع.

وتخضع حوكمة إنتاج القهوة لوزارة الزراعة والري، في حين أن متعلقات التجارة والتصدير تخضع لرعاية وزارة الصناعة والتجارة. ويرى التقرير أن هيئة المواصفات والمقاييس -المسؤولة عن وضع معايير جودة القهوة ووصف الأصناف اليمنية وتصنيف الحبوب- لا تمتلك معايير مكتوبة أو تصنيفاً لحبوب البن اليمنية وأصنافها، كما لا توجد مراكز أبحاث في اليمن لتحسين أصناف القهوة.

ورغم أن القطاع الخاص تكفّل بمهمة وضع معايير الجودة، إلا أن معايير تصنيف القهوة التجارية لاتزال دون معالجة من قبل أي لاعب في سلسلة القيمة.

وتشير الفاو إلى أنه منذ العام 2002، لم تتغير سياسة الحكومة في اليمن بخصوص دعم صناعة البن والاستثمارات في قطاع البن لزيادة الإنتاج والصادرات.

فمعظم أصحاب المصلحة الحكوميين المشاركين في صنع السياسات وتنفيذها لديهم معرفة محدودة بالقطاع، وهذا يزيد من المساس بالموارد المالية والبشرية المحدودة بالفعل المتاحة للدعم.

مع ذلك، اكتسب البن اليمني منذ عام 2017 زخماً بفضل جهود عدد قليل من اللاعبين في القطاع الخاص الذين كانوا يسوقون البن اليمني من خلال وسائلهم الخاصة وفقاً للفاو.

ورغم أنه لا يتم ذكر البن إلا عندما تسلط منظمات التنمية الضوء عليه كبديل لزراعة القات، لكن في الآونة الأخيرة جرى الاهتمام من قبل سلطات عدن وسلطات صنعاء واتخاذ خطوات لتنظيم سوق القهوة وتعزيز الإنتاج وتوسيع الصادرات.

فرص التطوير

ثمة العديد من فرص التطوير للتغلب على التحديات التي تعوق نمو وتنافسية سلسلة قيمة القهوة في اليمن والتي يمكن تخفيفها عبر الاستثمارات المناسبة وإصلاحات السياسات والمساعدة الفنية.

هذه الفرص تشمل “توفير المدخلات”، أي زيادة قدرة المزارعين على الوصول إلى المدخلات والمعدات (بما في ذلك تقنيات الري) والتدريب على إنتاج الشتلات والأسمدة العضوية، وتدريب القوى العاملة من المزارعين على إنتاج المدخلات وإدارة المشاتل، وبناء القدرات على الأساليب والتقنيات الجديدة للإنتاج.

كما تشمل الفرص تدريب المزارعين على إدارة المزارع وممارسات الإنتاج بما في ذلك الزراعة البينية ورعاية الأشجار والحصاد، وتحسين فرص الحصول على التمويل لإدخال أساليب ري مستدامة جديدة، وتوسيع نطاق استخدام برامج وأجهزة إدارة التربة لتحسين عملية اتخاذ القرار وتوسيع نطاق نشر المعلومات واستخدامها للإنذار المبكر في إنتاج البن، ودعم التعاونيات لتحسين إدارتها وعملياتها وحوكمتها من أجل توفير الدعم اللازم للإنتاج والتسويق لمزارعي البن.

إلى ذلك ثمة فرص لزيادة القدرة والوصول إلى رأس المال للمستثمرين ومجموعات المستثمرين (تحالفات الإنتاج) لتوسيع القدرة على القيمة المضافة بالقرب من المناطق الزراعية، وتوفير بناء القدرات للمزارعين لمعالجة البن، وتعزيز التعاونيات لتوسيع مراكز التجفيف على مستوى القرية ودعم المزارعين في القيمة المضافة (طرق المعالجة، وتخصيص النكهة).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى