خسارة مليار دولار في أسبوع.. كيف ضرب الإغلاق الحكومي قطاع السفر الأمريكي؟

الاقتصاد العالمي | بقش
تسبب الإغلاق الحكومي الفيدرالي في الولايات المتحدة في ضربة قاصمة للقطاع الجوي الأمريكي تمثلت في اضطراب رحلات وتكبُّد خسائر مالية مكلفة، وهو ما يُعد خطراً جسيماً لقطاع السفر والسياحة الذي ساهم بما لا يقل عن 3.03% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023.
الإغلاق الحكومي الذي بدأ في 01 أكتوبر 2025 تسبب فورياً في خسائر كبيرة لصناعة السفر الأمريكية، بلغت مليار دولار من الإنفاق المفقود، في الأسبوع الأول فقط من الإغلاق، وفقاً لجمعية السفر الأمريكية “US Travel”.
وحسب اطلاع بقش على تصريحات الجمعية، الموظفين الأساسيين يواصلون العمل دون أجر، بما في ذلك مراقبو الحركة الجوية وموظفو إدارة أمن النقل.
ويعاني قطاع السفر حالياً من التأخيرات المرتبطة بنقص الكوادر، إذ إن 53% من التأخيرات في بعض المطارات يُعزى الآن إلى نقص الموظفين مقارنة بنسبة طبيعية أقل من 5% في الأوقات العادية.
ورغم أن بعض شركات الطيران الكبرى لم تشهد تعطلاً كبيراً حتى الآن، إلا أن تزايد الإشارات إلى طلبات إلغاء أو تأجيل تذاكر يُنبئ بتبعات أوسع إذا استمر الإغلاق.
ففي حال استمر الإغلاق لأسبوعين أو أكثر، قد تتفاقم الأزمات التشغيلية وتدخل المرحلة التي تُهدّد انسيابية القطاع الجوي، خصوصاً في موسم العطلات القادمة.
واليوم الخميس أصدرت وزارة الخارجية البريطانية تحذيراً بشأن السفر إلى الولايات المتحدة، بسبب احتمالية حدوث اضطرابات في السفر حسب متابعة بقش، بما في ذلك تأخير الرحلات الجوية وأوقات انتظار أطول في بعض المطارات.
دوامة الضغوط والعمل دون أجر
الإغلاق الحكومي الذي حدث بسبب فشل الكونغرس في إقرار الميزانيات أو تمويل الوكالات الفيدرالية وسط الانقسامات بين الحزبين، صنع واقعاً مختلفاً للقطاعات، مثل مراقبة الحركة الجوية وأمن النقل، التي تُصنَّف كوظائف ضرورية، ما يعني أنها تستمر في العمل حتى أثناء الإغلاق لكن دون أجر فوري، وذلك يفرض ضغوطاً مالية ونفسية كبيرة.
وفي الإغلاقات السابقة، مثل إغلاق 2018–2019 لمدة 35 يوماً، لوحظت غيابات متزايدة بين الموظفين الضروريين، وتأخيرات واسعة النطاق جرى إرجاعها إلى ضغوط مالية على الموظفين، ما يعني أن القطاع الجوي حين يواجه إغلاقاً حكومياً يدخل في دوامة العمل بلا أجر، وتراجع الكفاءة، تزايد الضغط التشغيلي.
ويلقي الإغلاق بتأثيراته التشغيلية على القطاع الجوي، من حيث تغيب مراقبي الحركة الجوية وزيادة الإجازات المرضية.
وفي بعض غرف التحكم، يُبلغ أن ما يصل إلى نصف الكوادر قد تغيّبوا، مما يُجبر السلطات على تخفيض وتيرة إقلاع الطائرات للحفاظ على معايير الأمان.
ويحدث بطء في حركة الإقلاع والهبوط وتعطيل الجداول الزمنية، بسبب نقص المراقبة، ما يؤدي إلى تأثير مضاعف على الجدولة اليومية.
وبعض المطارات الكبرى مثل دالاس، شيكاغو، وفيلادلفيا، تشهد تحديات تشغيلية متنامية نتيجة الضغوط على مراكز التحكم المجاورة، وفي بعض الحالات يُبلَّغ أن التأخير المتوسط يصل إلى 30 دقيقة أو أكثر في مطارات مثل ريجان ناشونال ونيارك.
كما أن بطء الإجراءات في نقاط التفتيش الأمنية المحتملة بسبب نقص الموظفين يُفضي إلى أوقات انتظار أطول، وذلك قد يدفع شركات الطيران إلى جدولة رحلات أقل أو تأخيرها لتفادي مشاكل الارتباط بالرحلات اللاحقة.
خسائر مالية واقتصادية
هناك خسائر فورية محسوبة في الإنفاق والسياحة، فوفقاً لجمعية U.S. Travel، تسبّب الإغلاق في خسارة نحو مليار دولار خلال أسبوع في نفقات السفر داخل الولايات المتحدة، ويُفترض أن يتحمل القطاع الجوي جزءاً كبيراً من هذه الخسائر.
وبدأ بعض المسافرين بإلغاء خططهم وتجنّب السفر جواً إلى أجل غير مسمى، بسبب مخاوف التأخير أو الاضطراب في الخدمات الأمنية والجوية، وهو ما يؤدي إلى تقلص نمو إنفاق السياحة الأمريكية أو توقفه إذا استمر الإغلاق لأمد طويل.
وتُقدّر تقارير تابعها بقش أن أكثر من 12,000 تأخير و200 إلغاء للرحلات رُبطت بالإغلاق من الإثنين إلى الأربعاء.
كما يضغط هذا الوضع على هوامش أرباح شركات الطيران، فالتأخيرات والإلغاءات تؤدي إلى زيادة تكاليف التشغيل، من دفع تعويضات للمسافرين، إلى تكاليف الوقود أثناء الانتظار، وإعادة جدولة الطائرات والطواقم.
وقد تقل الإيرادات من الرحلات ذات الربحية الهامشية، خصوصاً تلك التي كانت تُخطط لتوليد أرباح محدودة، وقد تضطر شركات الطيران إلى تخفيض عدد الرحلات أو حذف بعض الخطوط الأقل ربحاً، لتقليل المخاطر التشغيلية.
وفي حالة تفاقم الاضطراب، من الممكن أن تبقى بعض الطائرات متوقفة على الأرض لفترات أطول، وبالتالي تزيد تكلفة الفراغ التشغيلي، وقد يدفع الضغط على السيولة بعض الشركات إلى طلب دعم حكومي أو تسليف مؤقت، في حال استمر الإغلاق عدة أسابيع.
ويتضرر مقدمو الخدمات الأرضية في المطارات (مثل خدمات المطار، خدمات الترفيه داخل المطار) من تراجع حركة الركاب وتأخير الرحلات، كما تتعرض شركات التأمين، وشركات النقل البري التي تربط الركاب بالمطارات، والمطاعم والمتاجر في المطارات، لضغوط مالية.
ويُعتبر القطاع الجوي دعامة للنمو الاقتصادي في أمريكا، إذ يسهّل التجارة ويربط بين المدن ويرتكز عليه نشاط الحركة السياحية والاستثمارية، واضطرابُ النقل الجوي يُفقد البلاد فرصاً اقتصادية ويزيد تكلفة الزخم الاقتصادي الكلي في المدى القريب.
ويُقدَّر أن كل أسبوع من الإغلاق قد يكلف الاقتصاد الأمريكي ككل ما يقارب 15 مليار دولار (فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي العام)، وهو تقدير عام لمختلف القطاعات وليس فقط الطيران.
ذلك يعني أن الإغلاق الحكومي الفيدرالي يمثّل اختباراً قاسياً لقدرات القطاع الجوي الأمريكي على الصمود في مواجهة الضغوط التشغيلية والمالية المفروضة فجأة، والنتائج المحتملة تشمل تأخيرات متزايدة، وإلغاءات مختلفة، وتراجع الثقة بين المسافرين، وأعباء مالية على شركات الطيران والمطارات والمرافق المرتبطة.