الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

خط أنابيب سري لنفط إيران.. هكذا تتجاوز الصين العقوبات الأمريكية وتعيد رسم الاقتصاد العالمي

الاقتصاد العالمي | بقش

مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين واشنطن وبكين وطهران، كُشف عن شبكة مالية وتجارية معقدة مكنّت “الصين” من دفع ثمن النفط الإيراني سراً، متجاوزةً بذلك العقوبات الأمريكية التي تهدف إلى عزل إيران اقتصادياً وخنق مصادر تمويلها.

هذه الآلية تمثل أحد أكثر النماذج تطوراً في الالتفاف على العقوبات، وتُظهر كيف يمكن للدول الكبرى بناء منظومات مالية بديلة تعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي بعيداً عن النظام الذي تقوده واشنطن.

ووفق اطلاع مرصد “بقش” على صحيفة “وول ستريت جورنال”، أدّت هذه الصفقة إلى تعميق العلاقات الاقتصادية بين اثنين من المنافسين الرئيسيين لواشنطن، وتشير التقديرات الرسمية في عام 2024 وحده إلى تخصيص ما يصل إلى 8.4 مليارات دولار من عائدات النفط من خط الأنابيب السري هذا لتمويل المشاريع الصينية داخل إيران.

وهذا جزء مما يقدَّر بنحو 43 مليار دولار من الصادرات من إيران، ذهب قرابة 90% منها إلى الصين.

ما طبيعة “الحيلة السرية”؟

تستخدم بكين نظاماً يشبه المقايضة، أي النفط الإيراني مقابل البنية التحتية الصينية، ولا تُحوَّل الأموال مباشرة إلى إيران، بل تُودع في حسابات شركة Chuxin، وهي وسيط مالي صيني غامض غير مدرج في القوائم الرسمية. وتُوجَّه هذه الأموال إلى شركات بناء صينية تنفذ مشاريع داخل إيران من مطارات ومصافٍ وطرق وبنى تحتية مدنية.

شركة Sinosure، وهي مؤسسة حكومية عملاقة للتأمين على الصادرات، تؤمن هذه المشاريع ضد المخاطر، مما يجعل الصفقة قابلة للتنفيذ دون المرور بالنظام المصرفي العالمي الخاضع لرقابة واشنطن.

ويتم نقل النفط الإيراني عبر عمليات من سفينة إلى سفينة أخرى في عرض البحر، لخلطه بنفط من دول أخرى مثل ماليزيا أو الإمارات، وعند وصول الشحنات إلى الموانئ الصينية، لا تُسجَّل رسمياً على أنها إيرانية منذ عام 2023، مما يمنحها غطاء قانونياً ظاهرياً.

بالنسبة لإيران تمثل هذه الآلية شرياناً اقتصادياً وسط العقوبات المفروضة التي حدّت من قدرتها على استخدام الدولار أو التعامل مع البنوك الدولية، فالصفقة وفّرت تمويلاً مضموناً ومشاريع بنية تحتية حيوية دون المرور بالقنوات التقليدية.

وقد سمحت هذه العملية لطهران بالحفاظ على تدفق نقدي ثابت وتمويل برامجها المحلية والعسكرية، كما منحتها فرصة لتعميق التعاون مع قوة عظمى (ثاني أكبر اقتصاد في العالم) تمتلك مقعداً دائماً في مجلس الأمن، مما يخفف من العزلة الدولية الإيرانية.

أما الصين فتضمن الحصول على نفط منخفض السعر في وقت تشهد فيه الأسواق تقلباً بسبب الحرب الأوكرانية والأزمات في الشرق الأوسط، وتوسّع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط كمنافس استراتيجي للولايات المتحدة وفق قراءة بقش تقرير وول ستريت جورنال، كما تقوّض الصين النفوذ الأمريكي القائم على نظام العقوبات والدولار عبر بناء شبكات مالية موازية، وتترجم عملياً اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشامل الموقعة بين البلدين في 2021، والتي تمتد لـ25 عاماً وتغطي استثمارات بمليارات الدولارات.

تحدي العقوبات الأمريكية

الآلية الصينية تُعتبر سابقة خطيرة في نظر واشنطن، إذ تُظهر أن قوة اقتصادية كبرى قادرة على تحييد فعالية العقوبات من خلال بدائل مصرفية غير دولارية، وقد حاولت وزارة الخزانة الأمريكية الرد عبر إدراج شركات صينية صغيرة وأفراد في “القائمة السوداء”، لكنها تجنبت استهداف الكيانات الكبرى وفق اطلاع بقش مثل وكالة ائتمان التصدير الصينية “Sinosure” أو شركة Zhuhai Zhenrong، خشية إشعال أزمة دبلوماسية مع بكين.

ويعتمد النفوذ الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على هيمنة الدولار في المعاملات الدولية، إلا أن هذه الصفقة تبرز تحولاً تدريجياً نحو اقتصاد عالمي متعدد الأقطاب حيث يمكن تنفيذ صفقات بمليارات الدولارات خارج النظام المالي الغربي.

ومن خلال تعزيز العلاقات مع إيران، ترسخ الصين وجودها في منطقة طالما كانت تحت المظلة الأمريكية، وفي الوقت ذاته تستفيد بكين من تقاربها مع السعودية والإمارات، ما يجعلها لاعبًا براغماتياً متوازناً يسعى إلى النفوذ لا الهيمنة العسكرية.

تصعيد أمريكي محتمل

قد تلجأ واشنطن في مرحلة قادمة إلى استهداف الشركات الوسيطة مثل “Chuxin” أو فرض عقوبات ثانوية على شركات الشحن والتأمين، مما يهدد بتصعيد اقتصادي خطير بين أكبر اقتصادين في العالم.

فرغم سرية هذه العمليات، إلا أن استمرارها يزيد من تعرض الصين للضغوط الدبلوماسية في الغرب، خصوصاً مع تنامي الانتقادات في الاتحاد الأوروبي بشأن التواطؤ في كسر العقوبات.

ويبدو مزعجاً لواشنطن أن الصين تعيد رسم الخريطة الاقتصادية العالمية ببطء، بينما تجد واشنطن نفسها أمام تآكل تدريجي لأهم أدوات قوتها: العقوبات والدولار.

هذه القضية تُظهر أن العالم يتجه نحو مرحلة جديدة من “الحرب المالية الباردة”، حيث لا تُطلق الصواريخ بل يُعاد تصميم الاقتصاد العالمي عبر قنوات سرية وشبكات موازية، وفي هذه الحرب يبدو أن بكين وطهران تسيران بخطى واثقة على طريق تقويض الهيمنة الأمريكية عبر هندسة اقتصادية ذكية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش