أمريكا تطلق تحقيقاتٍ كبرى حول اختناقات الممرات البحرية.. وقناة السويس في الصدارة

في أحدث إجراءاتها بخصوص التجارة البحرية، قررت لجنة الشحن البحري الفيدرالية الأمريكية توسيع نطاق تحقيقاتها لفحص الاضطرابات التي تشهدها 7 ممرات بحرية حيوية، بينها قناة السويس وقناة بنما ومضيق ملقا، وذلك في إطار مساعيها لضمان تدفق التجارة الأمريكية دون عوائق، حسب الإعلان الرسمي.
جاء في بيان اللجنة الذي اطلع عليه بقش أن التحقيق سيركز على تحديد ما إذا كانت حكومات أجنبية أو شركات شحن تُسبب عمداً ظروفاً “غير عادلة” تعيق حركة البضائع الأمريكية، وسط مخاوف من تأثيرات هذه الاختلالات على سلاسل الإمداد العالمية.
وفي نطاق التحقيقات، أدرجت اللجنة الممر الشمالي –الذي تشهد روسيا ودول قطبية نزاعاً حول سيادته وفرض رسوم عبور– إلى جانب قناة بنما، التي تعاني من اختناقات تاريخية تفاقمت مؤخراً بسبب الجفاف وتسببت في انتظار السفن لأسابيع.
تستهدف التحقيقات أيضاً قناة السويس التي شهدت تعطيلات متكررة مثل جنوح سفينة “إيفر غيفن”، وآخرها الهجمات اليمنية على السفن التجارية الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية ضمن حملة عسكرية داعمة لغزة ضد حرب الإبادة الإسرائيلية، كما تصفها حكومة صنعاء. كذلك مضيق سنغافورة، حيث تهدد القرصنة والخلافات الإقليمية، وفق متابعات بقش، حركةَ الملاحة رغم انخفاض معدلاتها.
استهداف الصين ومواجهة روسيا.. التهديد بعقوبات صارمة
حذرت اللجنة من أن التحقيق قد يُفضي إلى إجراءات عقابية غير مسبوقة، تشمل فرض غرامات تصل إلى مليون دولار لكل رحلة على الشركات المتورطة، أو منع سفنها من دخول الموانئ الأمريكية، أو تقييد مشاركتها في التحالفات البحرية العالمية التي تهيمن على 80% من شحن الحاويات. أكدت أيضاً أن هذه الإجراءات تهدف إلى “تصحيح اختلالات تُكبد الاقتصاد الأمريكي خسائر بمليارات الدولارات سنوياً”.
يأتي التحقيق في سياق سياسي واسع، حيث تسعى إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لتحجيم النفوذ الصيني في صناعة الشحن، خاصة بعد أن سيطرت الشركات الصينية على نصف إنتاج السفن عالمياً. وفي تعليق لـ”لورين بيغن” الخبيرة القانونية في الشؤون البحرية، قالت: “التحقيق سلاحٌ لموازنة الهيمنة الآسيوية، وإعادة رسم قواعد اللعبة البحرية لصالح واشنطن”.
وأشارت اللجنة إلى أن الاضطرابات في الممرات البحرية لا تقوّض التجارة فحسب، بل تهدد الأمن القومي الأمريكي، خاصة في “الممر الشمالي” حيث تحاول روسيا توطيد سيطرتها على طريق بحري يُختصر زمن الرحلة بين أوروبا وآسيا بنسبة 40%. كما حذرت من أن التعطيلات المتعمدة قد “تُستخدم كورقة ضغط سياسي” في ظل التوترات الدولية المتصاعدة.
وفي السياق، تَعتبر الإدارة الأمريكية أن أحداث البحر الأحمر الممتدة منذ أواخر 2023، تسببت في إرباك حركة التجارة الأمريكية والعالمية، وكلَّفت -وفق تأكيدات ترامب- الاقتصادَ الأمريكي والعالمي خسائر بمليارات الدولارات، مشيراً إلى أن آخر سفينة تجارية تحمل العلم الأمريكي أبحرت عبر البحر الأحمر منذ عام كامل، وهو ما لا ينبغي التسامح معه تجاه اليمن، حسب تصريحات “ترامب” السبت 15 مارس.
ردود الفعل الدولية: من القلق إلى التحدي
الإعلان الأمريكي عن فتح هذه التحقيقات أثار ردود فعل متباينة، إذ أعربت الصين عن قلقها من “تحويل الممرات البحرية إلى ساحة صراع جيوسياسي”، بينما هددت روسيا بـ”ردود صارمة” إذا مست العقوبات مصالحها في الممر الشمالي.
ومن جهتها، دعت منظمة التجارة العالمية إلى “حلول متوازنة تحفظ حقوق جميع الأطراف”، في إشارة إلى مخاوف من حرب تجارية جديدة.
وفي غضون ذلك حذّر خبراء اقتصاديون من أن أي عقوبات أمريكية قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن بنسبة 15-20%، مما ينعكس على أسعار السلع من الإلكترونيات إلى المنتجات الزراعية.
ومن ذلك رؤية “ماركوس جونسون”، المحلل في “بلومبيرغ”، بقوله: “الشركات الصغيرة ستكون الأكثر تضرراً، بينما قد تتحول الخطوط البحرية إلى مسارات بديلة طويلة، كطريق رأس الرجاء الصالح”.
مستقبل النظام البحري العالمي: إصلاح أم فوضى؟
يرى مراقبون أن التحقيق الأمريكي قد يُعيد تشكيل النظام البحري الدولي، سواء عبر فرض معايير أمريكية صارمة على الممرات، أو دفع الدول إلى تشكيل تحالفات مضادة.
بهذا الصدد، ذكرت مصادر دبلوماسية أن الاتحاد الأوروبي يدرس إطلاق مبادرات لـ”إضفاء طابع مؤسسي على إدارة الممرات”، بينما تبحث دول آسيوية عن شراكات مع القطاع الخاص لتفادي التبعات.
ومع انطلاق التحقيقات، تُواجه واشنطن تحدياً في تحقيق التوازن بين مصالحها التجارية وتجنب تصعيد التوترات الدولية، في اختبارٍ صعبٍ لسياسات ترامب التي تزاوج بين الاقتصاد والسياسة في بحارٍ تغلي بالاضطرابات.