الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

ملف شركة “OMV” النمساوية في اليمن: انتهاكات جسيمة ومصير مجهول لقطاع العقلة في شبوة

فجَّرت شركة “OMV” النفطية النمساوية اتهامات بين مسؤولين في قطاع النفط اليمني، بما فيها اتهام وزير النفط بـ حكومة عدن سعيد الشماسي، بارتكاب تجاوزات غير قانونية، لتُضاف هذه الاتهامات إلى سلسلة قضايا جدلية مرتبطة بالشركة النمساوية.

فمنذ عام 2022 تقريباً، بدأت الشركة بإرباك الوضع عموماً، بدءاً بخططها للاستغناء عن موظفيها في قطاع العقلة النفطي الذي تديره بمحافظة شبوة (Block S2)، ووصل عدد المفصولين إلى قرابة 300 موظف منذ بداية عام 2024 حسب معلومات بقش، دون أي مراعاة لحقوقهم، رغم مطالب العمال المستمرة للحكومة ووزارة النفط بالتدخل ووقف الإجراءات التعسفية ضدهم والالتزام بالقوانين واتفاقيات المشاركة واللوائح المحلية والدولية.

ومضت الشركة النمساوية في إجراءاتها بفصل موظفيها وفق متابعات بقش رغم أن وزارة النفط طلبت من إدارة الشركة في اليمن بدعم الموظفين المحليين وإبقائهم على رأس عملهم في القطاع النفطي.

ووفق مراجعات بقش، تبنّت الشركة فكرة تصفية استثماراتها بالتدريج، بما يشمل بيع أصولها من النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي تمهيداً للخروج. ووفق تقريرها السنوي لعام 2021 الذي اطلع عليه بقش، فإن إنتاجها من النفط وسوائل الغاز الطبيعي انخفض بنسبة 15% في ذلك العام إلى 1.1 مليون برميل.

وفي العام 2023 استحوذت شركة “زينيث” الهولندية على أصول “أو إم في” في صفقة قُدّرت قيمتها بـ21.6 مليون دولار. حينها شن الرأي العام هجوماً لاذعاً على الحكومة بسبب إيكال تشغيل قطاع العقلة النفطي إلى شركة وُصفت بأنها غير مؤهلة للتشغيل. بعدها أعلنت “زينيث” عن انسحابها من الصفقة بسبب “عدم استيفاء شروط إتمام الاتفاقية”.

ومنذ استعادة الإنتاج النفطي اليمني عام 2018 على خلفية الحرب، عادت الشركة النمساوية للإنتاج، مصاحبةً عودتها بانتهاكات ضد الموظفين وتجاوزات اتفاقية الإنتاج، والاستثمار لزيادة الأرباح بصور غير قانونية دون إيلاء اهتمام بممارسات التلويث البيئي التي تمت.

انسحاب الشركة رسمياً بـ”تواطؤ الوزارة” دون بديل

في بداية العام الجاري، انسحبت شركة OMV رسمياً من تشغيل قطاع العقلة بشبوة، في مخالفةٍ للشروط المتفق عليها مسبقاً، ودون أن يكون هناك بديل للشركة النمساوية.

وبموجب الانسحاب، تم الاتفاق على تسليم القطاع لوزارة النفط، بعد أن فشلت الوزارة في التوصل مع الشركة لاتفاق يضمن استمرارية تشغيل “العقلة” وفق متابعة بقش لهذا الملف.

انسحاب الشركة أثار توتراً في المحافظة منذ بدايات هذا العام. ومن جملة ردود الفعل، طالب “علي باهيصمي” شيخ شمل قبائل بلعبيد، بأن يوقف المجلس الرئاسي ومجلس النواب صفقات بيع قطاع العقلة، ورفض أي اتفاق بإخلاء عقد الشراكة مع شركة OMV وتخليها عن مسؤوليتها بحق الامتياز حتى تقوم بالوفاء بكل التزاماتها تجاه أبناء تلك المناطق ممن يعانون من التلوث والسموم بسبب العمليات التي كانت تتم دون أدنى معايير السلامة والبيئة وسط غياب وفساد الرقابة الحكومية.

بدوره اتهم المجلس الانتقالي في شبوة وزارة النفط بحكومة عدن بأنها تقوم بأعمال تكرّس سياسات الهيمنة والنفوذ على خيرات ومقدرات المحافظة، بما فيها محاولات “تمرير اتفاقيات مشبوهة وغير قانونية”، تُضاف إلى اختيار وفد تفاوضي حكومي مع شركة OMV النفطية يضم شخصيات جميعها من خارج المحافظة، مما يُعد استهدافاً واضحاً لممتلكات شبوة وتهميشاً لإرادة أبنائها.

المجلس الانتقالي اعتبر أن هناك مخططاً يستهدف محافظة شبوة النفطية وأبناءها، ويعرقل إنشاء مصفاة شبوة كمشروع يراه الانتقالي “استراتيجياً”. وحذّر من استمرار سياسة استهداف المحافظة ومصالحها، واعتبر هذه الممارسات تضر بالسلم الاجتماعي وستدفع أبناء شبوة إلى “الدفاع عن حقوقهم المشروعة بكافة الوسائل والطرق الممكنة”.

وطالب الانتقالي بإجراء “تحقيق شامل وتفصيلي في ملف قطاع (5)” الذي تديره “أو إم في” النمساوية، وأكد أن هذا القطاع شهد عمليات فساد ونهب منذ عشرات السنوات حتى اليوم.

وتبدو الحكومة ضالعة في “قرارات وصفقات تجارية غير واضحة المعالم” وفقاً لمجلس شبوة العام. وبالتزامن مع انسحاب “أو إم في”، طالب هذا المجلس بإيقاف جميع الصفقات التجارية التي تسير بطرق “غير قانونية” نحو بيع بعض قطاعات الامتياز في محافظة شبوة، وإشراك المختصين من أبناء المحافظة والعاملين في القطاع النفطي كممثلين عن المجتمع، ووقف سياسة الإقصاء والتهميش التي تطال أبناء المحافظة في القطاع النفطي وغيره من القطاعات والمؤسسات، ومنع أي تعيينات لقطاعات الامتياز في المحافظة من خارجها.

كما حمَّلت السلطة المحلية بشبوة وزارةَ النفط المسؤولية الكاملة عن أي تبعات تتعلق بإخلاء مسؤولية شركة “أو إم في”، واستلام القطاع دون تنفيذ التزامات الشركة بالقيام بواجباتها، وطالبت السلطة المحلية بضمان استمرار تقديم الخدمات الأساسية بما فيها دعم الطلاب الدارسين في الجامعات، وتغطية المبالغ المتأخرة للمقاولين والموظفين المحليين، ومعالجة أي أمور ناجمة عن نشاط الإنتاج والاستكشاف بما يحقق المصلحة العامة.

وسبق واتُّهمت وزارة النفط في حكومة عدن بإرسال موظفين من محافظات أخرى للمشاركة في مفاوضات خارجية حول حقول النفط في شبوة، متجاهلةً أبناء المحافظة، ما اعتُبر مخططاً في سياق العبث بالموارد والثروات اليمنية في المحافظة.

الفضيحة الأخيرة: تجاوزات وزير النفط

في آخر الأحداث، استقال “خالد باحميش” رئيس هيئة استكشاف وإنتاج النفط، من منصبه، وأطلق اتهامات ضد وزارة ووزير النفط، سعيد الشماسي، بسبب تجاوزات قانونية ومالية على رأسها السماح لشركة “أو إم في” بالانسحاب من قطاع العقلة دون الالتزام بالشروط المتفق عليها.

بدوره قبل وزير النفط استقالة باحميش وتكليف “أسامة هيثمي” بتسيير أعمال الهيئة، إلا أن الاستقالة بحد ذاتها أشعلت أزمة ثقة في واحد من أهم القطاعات الحيوية بالبلاد.

فقد اتهم خالد باحميش وزيرَ النفط بالتورط في التواطؤ مع OMV للسماح لها بالانسحاب من قطاع العقلة، دون توفير بديل مؤهل فنياً ومالياً، وفقاً لبنود الاتفاقية الموقعة، وهو ما يمثل تفريطاً في حقوق الدولة وتجاهلاً لمواردها.

وهمّشت الوزارة دور الهيئة رغم كونها الجهة الرقابية الوحيدة المخولة بالإشراف على الشركات النفطية، وأكد باحميش أن الوزير قام بإهدار المال العام من خلال التعاقد مع محامٍ دولي خسر خمس قضايا متتالية، ودفع مبالغ طائلة لشركات مراجعة خارجية رغم وجود وزير النفط الذي يحمل دكتوراه في المحاسبة، وهو ما اعتبره باحميش “تبديداً متعمداً للأموال”.

حذّرت استقالة باحميش أيضاً من توجه الوزارة نحو إنشاء شركات محلية جديدة خارج الإطار القانوني، وهو ما سيؤدي إلى تفتيت القطاع النفطي ويمهد الطريق لـ”نهب الموارد”. كما أشارت إلى تأثير التواجد الطويل للوزير الشماسي خارج اليمن، معتبرةً أن مكوثه لفترات طويلة في مقرات بعض الشركات النفطية أدى إلى تغيير موقفه تجاه اتفاقية OMV، والسماح لها بالانسحاب دون ضمانات.

هذا يُضاف إلى أن الوزارة ضغطت على الهيئة لصرف رواتب ليست من مسؤوليتها، رغم تمكن الهيئة من تحصيل مستحقات مالية من OMV عن خمس سنوات ماضية، في إشارة إلى محاولة “فرض التزامات غير قانونية”.

أما وزارة النفط فلم تردَّ رسمياً على أيٍّ من ذلك حتى لحظة كتابة هذا التقرير، فيما يبدو أنه احتفاظ بحق الرد حتى إشعار آخر.

عن انتهاكات “أو إم في” في اليمن

تُتهم الشركة النمساوية بارتكاب انتهاكات ومخالفات جسيمة. على سبيل المثال، في ما يخص “العاملين”، تشمل الانتهاكات استغلال وانتهاك حقوق الموظفين واتخاذ إجراءات تعسفية ضدهم، وإجبارهم على سحب دعوى قضائية عمالية كانت رُفعت ضد الشركة بهذا الشأن. ويُشار إلى أن الشركة كانت تسلم الموظفين أجوراً شهرية أقل من الحد الأدنى للأجور لدرجاتهم الوظيفية وفق نظام الأجور لدى الشركة.

وخلال التقاضي، اتخذت الشركة نوعاً من العقاب ضد الموظفين لسحب القضية مثل تحويل سعر صرف الريال مقابل الدولار، وعدم احتساب فارق التضخم في العملة المحلية وتعويض الموظفين بما يتناسب مع ذلك، وخصم رواتبهم بنحو 50%.

كما حاولت تزوير مستندات بعدد 25 ألف ورقة جرى تقديمها للمحاسب القانوني المعيَّن من المحكمة، وبعد اكتشاف ذلك قالت الشركة إن ثمة خطأ في النظام. كما أنكرت الشركة امتلاك لوائح داخلية، وقامت بإخفائها لتضليل القضاء وفقاً للاتهامات الموجهة لها.

من جانب آخر، راجع بقش اتهامات للشركة بارتكاب جرائم بيئية في محافظة شبوة تتمثل في “الفساد والتلوث”. وتضم هذه الجرائم قيام شركة “أو إم في” بمعالجة المياه المصاحبة للنفط والمقدرة بـ7000 برميل بوضعها على “طرابيل” وفصل النفط عن الماء، وترك الماء للتبخير مما يؤدي إلى تلويث الهواء وتسربه إلى مصادر المياه، وهو ما يخالف المعايير الدولية وسياسة وأنظمة الشركة النمساوية نفسها.

واستمرت الشركة في ممارساتها الخطرة الملوثة للبيئة، رغم إرسال وزارة المياه والبيئة بحكومة عدن طلباً في 30 يونيو 2021 بأن تقوم الشركة بموافاة الوزارة بدراسات للآثار البيئية وتحديد الأضرار المصاحبة لعمليات الإنتاج، وكذلك الالتزامات والتعويضات.

وتبقى التساؤلات في محلها دون إجابات: ما مدى ضلوع وزارة النفط في الانتهاكات التي تتم على أرض الواقع في قطاع النفط؟ وأين سلطات الحكومة والمجلس الرئاسي من كل ذلك؟ وهل يتم العمل على تصحيح الواقع النفطي بما يضمن الاستثمار الخارجي في البلاد على نحو قانوني؟ وما مصير قطاع العقلة النفطي بشبوة تحت إدارة وزارة النفط؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى