تقارير
أخر الأخبار

مصر: الرفع الثاني للوقود نزولاً عند شروط صندوق النقد الدولي.. ماذا بعد القرار الصعب؟

تقارير | بقش

وسط ضغوط اقتصادية ومعيشية متزايدة، قررت الحكومة المصرية رفع أسعار الوقود للمرة الثانية هذا العام، بنسبة بلغت نحو 13%، وشملت الزيادة جميع أنواع البنزين والسولار والغاز الطبيعي للسيارات، ووفق متابعات “بقش” تأتي هذه الزيادة بعد رفع مماثل في أبريل 2025.

ووفقاً للأسعار الجديدة، ارتفع البنزين والسولار بمقدار جنيهين على النحو الآتي: سعر بنزين 95 من 19 إلى 21 جنيهاً للتر، وبنزين 92 من 17.25 إلى 19.25 جنيهاً، وبنزين 80 من 15.75 إلى 17.75 جنيهاً، كما ارتفع سعر السولار من 15.5 إلى 17.5 جنيهاً، بينما ارتفع غاز السيارات بمقدار ثلاثة جنيهات من 7 إلى 10 جنيهات للمتر المكعب.

وبررت الحكومة القرار بأنه يأتي ضمن مسار الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي، وبهدف تخفيض فاتورة الدعم وتعزيز استدامة المالية العامة، مشيرةً إلى أنها ستثبت الأسعار لعام على الأقل، نظراً للأوضاع الإقليمية والعالمية الراهنة.

نزولاً عند شروط الصندوق

يأتي رفع أسعار الوقود، مع تثبيتها لعام كامل كحد أدنى، في سياق سعي الحكومة المصرية إلى تنفيذ التزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي، الذي طالب القاهرة، وفق اطلاع بقش، بإصلاح منظومة الدعم تدريجياً، وتحويل الدعم المباشر إلى دعم نقدي للفئات الأضعف، ويشار إلى أن مصر ثاني أكبر مقترض في العالم بعد الأرجنتين، إذ تجاوَزَ الدَّين الخارجي لمصر 161 مليار دولار خلال الربع الثاني من 2025.

وتأمل الحكومة أن يحقق هذا القرار وفراً مالياً يقدر بـ35 مليار جنيه (قرابة 736.6 مليون دولار) في موازنة 2024-2025، وأن يسهم في خفض عجز الموازنة الذي تفاقم بسبب ارتفاع خدمة الدين وتكاليف الاستيراد، حيث وصل العجز إلى نحو 1.26 تريليون جنيه مصري في العام المالي الماضي 2024-2025 وفق مراجعة بقش لبيانات منشورة في أغسطس الماضي.

كما تريد الدولة تشجيع الإنتاج المحلي من الوقود عبر تشغيل معامل التكرير بكامل طاقتها، وتقليص الفجوة بين كلفة الإنتاج وسعر البيع في السوق، في ظل تذبذب أسعار خام “برنت” وارتفاع أسعار صرف الدولار.

تأثيرات واسعة على المواطن والاقتصاد

لكن قرار رفع الوقود أثار ردود فعل متباينة في الشارع المصري، حيث قوبل برضا محدود من النخب الاقتصادية التي رأت فيه ضرورة “مؤلمة لكنها واقعية”، في حين عبر الكثير من المواطنين عن قلق واسع من ارتفاع جديد في تكاليف المعيشة.

ويتوقع محللون اقتصاديون أن يؤدي القرار إلى موجة تضخمية جديدة، خصوصاً في قطاعي النقل والسلع الغذائية، نظراً لاعتماد مصر الكبير على النقل البري في توزيع السلع.

وتشير بيانات رسمية اطلع عليها بقش، إلى تضاعُف متوسط إنفاق الأسر المصرية على المواصلات خلال السنوات السبع الماضية من 8.8 آلاف جنيه في 2019 إلى 24.6 ألف جنيه في 2024، ومن المتوقع أن يبلغ 29.2 ألف جنيه في 2025، وذلك يعني أن أي زيادة في أسعار الوقود تنعكس مباشرة على معيشة ملايين المصريين.

ورغم أن الحكومة أكدت استمرار دعم جزئي للسولار وغاز الطهي لحماية الشرائح الفقيرة، إلا أن الاقتصاديين يحذرون من أن التضخم الكامن سيعيد الضغط على البنك المركزي الذي خفّض الفائدة أربع مرات هذا العام عقب تراجع التضخم.

وقد تعرقل الزيادة الأخيرة مسار تراجع التضخم الذي شهدته مصر لأربعة أشهر متتالية، ما قد يجبر البنك المركزي على إبطاء وتيرة خفض الفائدة أو حتى تجميدها في الاجتماعات المقبلة، كما يُرجَّح أن يتأثر قطاع النقل والإنتاج الصناعي بارتفاع تكاليف التشغيل، ما سينعكس على أسعار السلع الأساسية في السوق.

وفي المقابل، تراهن الحكومة على أن تثبيت الأسعار لعام كامل سيمنح السوق استقراراً نسبياً، ويساعد الشركات على التخطيط المالي بشكل أوضح، مع تقليص فجوة الأسعار بين الداخل والخارج بما يحدّ من التهريب أو الفاقد المالي.

تأتي هذه الزيادة في ظل تدهور القوة الشرائية للمواطنين وارتفاع أسعار الغذاء والسلع الأساسية، حيث تجاوز معدل الفقر في بعض المحافظات 40% وفق تقديرات غير رسمية، ورغم أن الحكومة توسّع برامج الدعم النقدي مثل “تكافل وكرامة”، فإن أثرها يبقى محدوداً أمام تضخم أسعار السكن والنقل والطعام.

وتُظهر استطلاعات غير رسمية تزايد مشاعر الإحباط بين المصريين الذين يرون أن الإصلاحات الاقتصادية لا تُترجَم بعد إلى تحسن ملموس في حياتهم اليومية، فضلاً عن التداعيات الثقيلة التي تنعكس عن شروط صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على القروض، في حين تجد الحكومة المصرية نفسها أمام معادلة صعبة تتمثل في تنفيذ شروط الإصلاح المالي دون تفجير موجة غضب اجتماعي جديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش