تحركات اقتصادية عالمية.. إسرائيل خارج استثمارات الصناديق والجامعات والدول

الاقتصاد العالمي | بقش
تحولات غير مسبوقة تجاه إسرائيل تشهدها الساحة الاقتصادية الدولية، إذ لجأت صناديق استثمارية كبرى وجامعات وحكومات دول إلى خطوات عملية تتمثل في سحب الاستثمارات وتجميد التعاملات التجارية وقطع العلاقات الأكاديمية، في رسالة تؤكد السخط الشعبي والرسمي المتزايد حيال الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة الذي يتعرض للإبادة.
وتعكس هذه التحركات تحولاً في المزاج الاقتصادي العالمي تجاه إسرائيل، خاصة في أوروبا التي تعد أحد أبرز مصادر الاستثمارات الأجنبية داخلها.
أولاً: صناديق الاستثمار الكبرى
- صندوق الثروة السيادي النرويجي (الأكبر في العالم وتتجاوز أصوله 1.9 تريليون دولار): أنهى الصندوق عقود إدارة الأصول التي كانت تُدار خارجياً في إسرائيل، ونقل إدارتها داخلياً بعد مراجعة عاجلة لأصول مرتبطة بالصناعات العسكرية الإسرائيلية، وأعلن في يونيو الماضي، حسب اطلاع بقش، أنه لن يتعامل بعد الآن مع شركتين تبيعان معدات للجيش الإسرائيلي، هما شركة “أوشكوش” الأمريكية و”تيسنكروب” الألمانية.
- صندوق التقاعد الهولندي (تبلغ قيمة أصول الصندوق الإجمالية 68 مليار دولار): سحب هذا الصندوق استثماراته من عدد من الشركات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وشملت هذه الشركات الكبرى مثل “بوكينغ”، “سيمكس”، و”موتورولا سوليوشنز”، وبلغت قيمة الاستثمارات التي تم تخارجها نحو 151 مليون يورو، بعد عملية تدقيق استمرت عدة أشهر.
وفي نهاية عام 2024، كانت لدى الصندوق استثمارات في 65 شركة إسرائيلية تُقدّر قيمتها بنحو 1.95 مليار دولار، بينما تم بيع حصصه لاحقاً في 11 شركة فقط، مع التزامه بتطبيق معايير أخلاقية ورقابية مشددة على الاستثمارات المستقبلية.
- صندوق التقاعد الدنماركي (تبلغ قيمته 24.77 مليار دولار): استبعد الصندوق جميع الأصول الإسرائيلية من محفظته الاستثمارية، بما في ذلك الشركات المملوكة أو الخاضعة لسيطرة الحكومة، احتجاجاً على الحرب في غزة والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.
- صندوق تقاعد المربين الدنماركي: سحب الصندوق في أغسطس استثماراته من آخر ثلاث شركات لها صلات بإسرائيل أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي: “إكسبيديا”، “بوكينغ هولدنغ”، و”إير بي إن بي”، وأكد الصندوق وفق متابعات بقش أن القرار جاء نتيجة تفاقم الوضع في المنطقة، مع الالتزام بالاستثمار المسؤول والمعايير الأخلاقية.
- صندوق التقاعد الجامعي البريطاني: أعلن الصندوق، وهو أكبر صندوق معاشات للقطاع الأكاديمي في بريطانيا، عن بيع أصول وسندات إسرائيلية بقيمة 102 مليون دولار، لأسباب مالية تتعلق بإدارة المخاطر والعوائد، وليس كسياسة مقاطعة شاملة. لكن في نفس الوقت تواجه صناديق المعاشات المحلية في بريطانيا ضغوطاً متزايدة لاتخاذ خطوات مماثلة، مع تفاوت القرارات بين المجالس المحلية المختلفة.
- صندوق الاستثمار السيادي الأيرلندي (تبلغ أصوله 17.55 مليار دولار): سحب الصندوق استثماراته من ست شركات إسرائيلية في أبريل 2024، من بينها بنوك كبرى، بسبب تورطها في أنشطة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأكد التزامه بمبادئ الاستثمار الأخلاقي ومسؤولية الدولة في احترام القانون الدولي.
ثانياً: إجراءات الدول الاقتصادية
- إسبانيا: فرضت هذا العام حظراً شاملاً على تصدير واستيراد الأسلحة والمعدات الدفاعية، ومنعت استخدام الموانئ والمطارات للشحنات العسكرية الإسرائيلية، وحظرت استيراد منتجات المستوطنات غير القانونية، وألغت عقوداً عسكرية ضخمة مع شركات إسرائيلية، بما في ذلك صفقة أسلحة بقيمة 700 مليون يورو وصفقة ذخيرة بـ6.6 ملايين يورو.
- هولندا: شدّدت الرقابة على صادرات السلع العسكرية والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، وأوقفت منح تراخيص تصدير الأسلحة، وطبّقت حكماً قضائياً بوقف تصدير أجزاء طائرات “إف-35” إلى إسرائيل، وحظرت استيراد سلع المستوطنات، وفرضت قيود سفر على عدد من الوزراء الإسرائيليين.
- أيرلندا: سحبت استثمارات بقيمة 2.95 مليون يورو من ست شركات إسرائيلية، وشرعت الحكومة في قانون يحظر إدخال منتجات المستوطنات الإسرائيلية إلى السوق الأيرلندية.
- سلوفينيا: فرضت حظراً شاملاً على تجارة الأسلحة، ومنعت استيراد منتجات المستوطنات، وعلقت اتفاقيات الشراكة مع إسرائيل، مع التهديد باتخاذ إجراءات مالية وتجارية إضافية إذا استمرت الإبادة في غزة.
- تركيا: أعلنت في مايو 2024 عن تعليق جميع الصادرات والواردات مع إسرائيل، وإغلاق موانئها ومجالها الجوي أمام السفن والطائرات الإسرائيلية، رغم بيانات تُظهر استمرار حركة التجارة البحرية بين الموانئ التركية والإسرائيلية.
- مجموعة لاهاي الدولية: في يوليو 2025 أعلنت مجموعة لاهاي عن انضمام 12 دولة لعقوبات منسقة لوقف تدفق الأسلحة والمعدات العسكرية إلى إسرائيل، تضمنت ستة إجراءات أساسية تشمل منع توريد الأسلحة، وحظر عبور السفن، ومراجعة العقود الحكومية، وفتح تحقيقات قضائية، وتبنّي مبدأ الاختصاص القضائي العالمي لمعاقبة مرتكبي جرائم الحرب.
ثالثاً: الجامعات والمؤسسات الأكاديمية
زاد عدد الجامعات والمؤسسات الأكاديمية حول العالم التي أعلنت قطع علاقاتها مع الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية، وسط اتهامات بالتواطؤ مع سياسات الاحتلال، منها على سبيل المثال لا الحصر، الجامعة الفيدرالية في سيارا (البرازيل) التي ألغت قمة ابتكار مع جامعة إسرائيلية.
وكذلك قطعت جامعات في النرويج وبلجيكا وإسبانيا علاقاتها مع مؤسسات إسرائيلية، وأنهت كلية “ترينيتي” في دبلن برامج التعاون، وأوقفت جامعة أمستردام برنامج التبادل الطلابي مع الجامعة الإسرائيلية في القدس، ودعت الرابطة الأوروبية لعلماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية أعضاءها إلى تبني نفس النهج.
أبعاد التحركات العازلة
تترجم هذه التحركات تزايُدَ العزلة الاقتصادية لإسرائيل، فالتحركات المستمرة لصناديق التقاعد والحكومات الأوروبية تشير إلى بداية تآكل الاستثمارات الأجنبية، ما قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي طويل الأمد إذا استمرت الحرب على غزة.
وتوضح الإجراءات المتزامنة للحكومات الأوروبية تنسيقاً مستمراً لمقاطعة إسرائيل اقتصادياً ودبلوماسياً، وهو ما قد يؤدي إلى انعكاسات سياسية على الصعيد الدولي.
كما يعكس قطع العلاقات الأكاديمية بُعداً آخر للعزلة الدولية لإسرائيل، إذ يمتد التأثير إلى البحث العلمي والجامعات، مما يضر بسمعتها الأكاديمية ويزيد من حدة العزلة الاجتماعية والثقافية.
وتؤكد هذه الإجراءات أن هناك تحولاً عالمياً ملموساً في التعامل مع إسرائيل بسبب الإبادة التي دخلت عامها الثالث، حيث يبرز دور الاستثمار الأخلاقي والضغط الأكاديمي والدبلوماسي كأدوات فعالة للضغط على الحكومات، بما يفرض تحديات اقتصادية وسياسية جديدة على إسرائيل، وقد يؤدي استمرار هذه السياسات العازلة إلى إعادة حساب الاستراتيجيات الإسرائيلية داخلياً وخارجياً، مع تعزيز التأثير الدولي لحملات المقاطعة على جميع المستويات.